لكن موارد تبدّل رأي المجتهد ليست من هذا القبيل غالباً لأنّ ما يتبدّل عند المجتهد في غالب الموارد إنّما هو الأمارات الظنّية المعتبرة ، كما أنّ رجوع المقلّد إلى مجتهد آخر أيضاً ليس من هذا القبيل أصلاً ، لأنّ الحجّة عنده إنّما هو قول المجتهد وهو أمارة ظنّية عقلائية أمضاها الشارع المقدّس.
والمهمّ في المقام هو ما إذا كانت فتوى المجتهد على أساس أمارة شرعية وكان المبنى في حجّية الأمارات ، الطريقيّة ( كما هو الحقّ ) ، وحينئذٍ يستدلّ للإجزاء بوجوه عديدة :
الوجه الأوّل : ( وهو العمدة ) إنّ إطلاقات أدلّة حجّية الأمارات لا تشمل الأعمال السابقة التي أتى بها المكلّف وفقاً لأمارات كانت حجّة عليه حين العمل ، وبعبارة اخرى : إنّ أدلّة حجّية الأمارات وإن كانت مطلقة من حيث الزمان ، ولكنّها منصرفة إلى زمان الحال والاستقبال ، ولا تشمل ما عمل سابقاً على وفق أمارة اخرى ، أي أنّ القدر المتيقّن منها إنّما هو الحال والمستقبل ، كما أنّه كذلك في الأمارات العرفيّة ، فمن أعطى دراهم بيد وكيله ، وأمره بأن يتّجر بها أحسن التجارة وأنفعها ، والوكيل لا يعلم ما هو أنفعها وأحسنها فيعتمد فيها على قول الخبرة ، ويسأل زيد الخبرة عنها مثلاً ، فيعمل على وفق رأيه ، ثمّ بعد مضيّ زمان يسأل عن عمرو الخبرة نفس ذلك ، فيجيبه بما يخالف رأي زيد ، فحينئذٍ هل يكون معنى حجّية كلام عمرو إبطال جميع العقود السابقة لأنّه لم يكن وكيلاً في إبتياع غير الأنفع ، فالعقود الواقعة عليها فضوليّة ، أو أنّ القدر المتيقّن منها إنّما هو بالنسبة إلى الحال والاستقبال؟ لا إشكال في أنّ وجداننا العرفي يحكم بالثاني.
وعلى أي حال : لا اطلاق في الاجتهاد الثاني حتّى يعمّ الواقعة السابقة ، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك ، ولعلّ هذا هو مراد من قال ( وهو صاحب الفصول وغيره ) : « الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين » ، ولعلّه هو العلّة للسيرة المدّعاة في كلمات بعضهم على عدم إعادة الأعمال السابقة ( وكون الإعادة أمراً مستغرباً في أذهان أهل الشرع بأن يعمل بفتوى مجتهد عشرات سنة ، ثمّ بعد تبدّله أو تقليد مجتهد آخر يعيد جميع أعماله التي عملها في هذه السنوات ، وكذلك فيما بعده من تبدّلات الرأي ، ولعلّه أيضاً المصدر الوحيد لما ادّعى من الإجماع في المسألة ، ولا أقلّ في العبادات.
وإن شئت قلت : الإجماع المدّعى والسيرة المستمرّة التي وردت في كلمات بعضهم ـ ولا