لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فقد يقال : إنّ المنطوق أقوى ظهوراً من المفهوم ، لأنّ الكلام إنّما سيق لبيان المنطوق ، والمفهوم أمر تبعي ولازم للمنطوق ، ولكنّ الإنصاف أنّ هذا دعوى بلا دليل بل كثيراً ما يساق الكلام لبيان المفهوم. كقولك : « سافر إن كان الطريق آمناً » فيما إذا كان مرادك النهي عن السفر في صورة عدم الأمن.
فالصحيح أن يقال : إنّ المقامات مختلفة ، والمتّبع هو الضوابط الخاصّة والقرائن المكتنفة بالكلام ، فيسقط الطريق الأوّل عن كونه ضابطة كلّية للجمع الدلالي.
٥ ـ إذا دار الأمر بين التخصيص والمجاز ، وبعبارة اخرى : دار الأمر بين التصرّف في أصالة العموم أو رفع اليد عن أصالة الحقيقة ، كقوله : « لا تكرم الفسّاق » مع قوله : « لا بأس بإكرام زيد الفاسق » فكما يمكن رفع اليد عن العموم بالتخصيص ، كذلك يمكن رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحملها على الكراهة حتّى تجتمع مع عدم البأس.
ولا يخفى أنّ نظيره في الفقه كثير ، فإنّه يتصوّر أيضاً فيما إذا كان العام بصيغة الأمر ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور العام في العموم ورفع اليد عن ظهور هيئة الأمر في الوجوب وحملها على الاستحباب.
والصحيح في هذه الموارد تقديم التخصيص على المجاز لأنّه أمر شائع معروف ، والأوامر التي تحمل على الاستحباب أو النواهي التي تحمل على الكراهة وإن كانت كثيرة إلاّ أنّ تخصيص العام أكثر وأظهر.
نعم ، قد يقدّم المجاز في هذه الموارد على التخصيص لبعض القرائن الخاصّة والضوابط الجزئيّة كما لا يخفى على من له إلمام بالمسائل الفقهيّة المناسبة للمقام.
لا إشكال في أنّ المراد من التزاحم هنا ليس هو التزاحم في الملاكات بالنسبة إلى فعل واحد ، كما إذا كان في فعل واحد جهة مصلحة تقتضي إيجابه ، وجهة مفسدة تقتضي تحريمه ، فليس للمكلّف دخل في هذا التزاحم ، بل أمره وملاحظة الجهات وما هو الأقوى من الملاكات