والذي يمكن أن يقال بعد ملاحظة مجموع الأدلّة أنّه يكفي الفحص عن المخصّصات وشبهها عن مظانّها ( ولو انحلّ العلم الإجمالي ) كما أشرنا إليه سابقاً ، بل هذا هو المعمول بين العقلاء من أهل العرف بالنسبة إلى قوانينهم ، وممّا يوجب سهولة الأمر في ذلك أنّ علماءنا المتقدّمين رضوان الله عليهم بذلوا جهدهم في سبيل التحقيق عن الأحاديث الفقهيّة وتبويبها ووضع الجوامع لها ، كما أنّ الفقهاء الذين جاؤوا بعد المحدّثين بذلوا الجهد في الفحص عن الأحاديث المرتبطة بكلّ مسألة فقهيّة ، وأودعوها في كتبهم الاستدلاليّة ، ولذا يمكن الفحص بالمقدار اللازم للفقيه في عصرنا هذا مع بذل جهد قليل ، فشكر الله سعيهم وأجزل ثوابهم ، وجزاهم عنّا وعن الإسلام خير الجزاء.
هذا تمام الكلام في شرائط جريان أصالة البراءة.
ومنه يظهر الحال في شرائط جريان أصالة التخيير وأصالة الاستصحاب.
أمّا أصالة التخيير فيأتي فيها اعتبار وجوب الفحص الذي هو العمدة من الشرائط لأنّ جميع الوجوه الخمسة المذكورة في أصالة البراءة جارية هنا أيضاً ، أمّا الإجماع وضرورة الفقه فلا شبهة في قيامهما على وجوب الفحص عن وجود دليل على الترجيح في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، وكذلك آية السؤال والنفر ، لشمولهما موارد الدوران بين المحذورين في الشبهات الحكميّة أيضاً ، وهكذا الروايات ( وقوله عليهالسلام : هلاّ تعلّمت وشبهه ) والعلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات قبل الفحص ، وكذلك حكم العقل لأنّ العقل يحكم بالتخيير للمكلّف المتحيّر ، والتحيّر المستقرّ إنّما يحصل بعد الفحص وعدم الظفر بالدليل.
وأمّا أصالة الاستصحاب فلأنّ قوله عليهالسلام ، لا تنقض اليقين بالشكّ ( بناءً على شموله للشبهات الحكميّة أيضاً ) منصرف إلى ما بعد الفحص كما لا يخفى.
إلى هنا تمّ البحث عن المورد الأوّل ، أي اعتبار الفحص في الشبهات الحكميّة.
أمّا المورد الثاني ( أي شرائط إجراء سائر الاصول بالنسبة إلى الشبهة الموضوعيّة ) فالمشهور في كلماتهم عدم الفحص مطلقاً سواء كانت الشبهة وجوبيّة أو تحريميّة ، وسواء في البراءة العقليّة أو البراءة النقليّة ، بل الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله صرّح بأنّه ممّا لا خلاف فيه