سيرة العقلاء على الرجوع في الأوّل دون الثاني ، فإنّه لو فرض استقرار سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى صاحب الملكة في أمر التقليد ، فكيف لم تستقرّ سيرتهم على رجوع المتداعيين إليه في أمر القضاء؟ مع أنّ لازم جواز الرجوع إليه في أمر التقليد كونه عالماً وخبرة عندهم بمجرّد الحصول على الملكة ، وهذا صادق أيضاً بالنسبة إلى من له ملكة القضاء ، وما ذكره من أنّ الأصل عدم نفوذ قضاء أحد في حقّ ، أحد ـ حقّ ، ولكن يمكن إحراز النفوذ في مثل المقام بإطلاقات أدلّة القضاء وإنصرافها إلى ما هو متعارف عند العقلاء ( إلاّ ما خرج بالدليل ) فإنّ القضاء ليس أمراً تأسيسيّاً للشرع ، بل هو إمضاء لما عند العقلاء.
إنّ من الواضحات والامور البديهية في الشريعة حاجة المجتمع الإنساني إلى الحكومة وعدم إمكان تفكيكه عنها ، وذلك من باب أنّه بالحكومة يمكن تحقيق أهداف الشريعة المقدّسة التي لا يمكن الوصول إليها إلاّمن طريق تشكيل الحكومة وتنفيذ الولاية.
ومن تلك الأهداف المهمّة حفظ نظام المجتمع ، فلا إشكال في لزوم اختلال النظام بدون الحكومة وهو ممّا لا يرضى الشارع به ، بل هو من أهمّ الامور عنده.
ومنها : تعليم النفوس الإنسانيّة وتربيتها.
ومنها : إقامة القسط والعدل ، وإحقاق حقوق الناس ، فإنّه أيضاً من أهداف الشريعة المقدّسة.
ومنها : إجراء بعض المراحل العالية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومنها : تولّى القضاء ، فإنّه أيضاً لا يمكن تحقّقه في الخارج من دون اعتضاده بالحكومة.
ومنها : إجراء الحدود والتعزيرات.
ومنها : حفظ حدود الممالك الإسلاميّة وثغورها ، فإنّها أيضاً لا تتحقّق إلاّبتشكيل الحكومة والعساكر.
فظهر أنّ أصل الحكومة أمر لازم ضروري.
ثمّ إنّ هذه الحكومة تأخذ مشروعيتها من ناحية الباري تعالى لا من جانب الناس