ودوران الضرر مدار الأشخاص أمر ، ودوران الامتنان مدار النوع أمر آخر ، ولا منافاة بينهما ، فتدبّر جيّداً.
قد يكون العمل ضررياً ولا يعلم به المكلّف ، فهل يحكم بفساده حينئذٍ على مختار الشيخ ومن تبعه من شمول القاعدة للعبادات وغيرها ، أو يكون العلم جزءً للموضوع فلا يبطل؟
فلو صام بتوهّم عدم كونه ضررياً ، ثمّ انكشف ضرره ، فعلى الأوّل ( كون الملاك الضرر الواقعي ) يبطل الصوم ويجب القضاء ، وبالعكس لو كان عالماً بالضرر وصام غفلة ثمّ انكشف عدم كونه ضررياً فلا يكون باطلاً إذا حصل منه قصد القربة.
واستدلّ على الأوّل : بأنّ الألفاظ تحمل على مصاديقها الواقعيّة ، أي أنّ الظاهر من العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام إنّما هى المصاديق الخارجية ، فالموضوع في قضيّة « الدم نجس » أو « الكرّ مطهّر » إنّما هو الدم الواقعي والكرّ الخارجي ، فليكن كذلك عنوان الضرر في ما نحن فيه.
ولكن حاصل كلام بعض الأعلام في مصباح الاصول أنّ مقتضى تسالم الفقهاء على صحّة الطهارة المائيّة مع جهل المكلّف بكونها ضرريّة هو الثاني ( كون العلم جزء الموضوع ) كما يقتضيه تقييد الفقهاء خيار الغبن والعيب بما إذا جهل المغبون ، وأمّا مع العلم بهما فلا يحكم بالخيار.
ودعوى أنّه مع العلم داخل في قاعدة الإقدام على نفسه ، مدفوعة بأنّ إقدامه على الضرر غير مؤثّر في لزوم البيع بعد كون الحكم الضرري منفياً في الشريعة ، وبعد كون اللزوم منفيّاً شرعاً لا أثر في إقدامه على الضرر.
ثمّ أجاب عن كلا النقيضين ، أمّا عن الأوّل فبأنّ دليل لا ضرر ورد في مقام الامتنان على الامّة الإسلاميّة ، فكلّ مورد يكون نفي الحكم فيه منافياً للامتنان لا يكون مشمولاً لدليل لا ضرر ، ومن المعلوم أنّ الحكم ببطلان الطهارة المائيّة الضرريّة الصادرة حال الجهل ، والأمر بالتيمّم وبإعادة العبادات الواقعيّة معها مخالف للامتنان ، ومجرّد كون الوضوء الضرري مثلاً