ومنها : قوله تعالى في باب الشهادة : ( وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ) (١) بناءً على كون « لا يضارّ » مبنيّاً على المفعول ، حيث إنّه حينئذٍ ينهى عن الاضرار بالكتّاب والشهداء بالرجوع إليهم للكتابة أو الشهادة في أيّ وقت وساعة ، تمسّكاً بعموم ما يدلّ على وجوبهما عليهم ( وهو ما ورد في صدر الآية من قوله تعالى : ( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) وقوله تعالى : ( وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ) فيكون ذيل الآية حينئذٍ حاكماً على عموم صدرها ، وأمّا بناءً على البناء على الفاعل فهى أجنبيّة عمّا نحن فيه ، لأنّ المعنى حينئذٍ النهي عن اضرار كاتب الدَين والشاهد عليه بكتابة ما لم يمل والشهادة بما لم يستشهد عليه ، أي بكتابة غير صحيحة وشهادة غير صادقة ، وهو حرام من غير حاجة إلى عنوان الاضرار.
ومنها : قوله تعالى في باب الوصيّة : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) (٢) الذي ينهي عن الاضرار بالورّاث بالاقرار بدَين ليس عليه ، دفعاً للميراث عنهم ، وتمسّكاً بعموم « الناس مسلّطون على أموالهم » فتحكم الآية على هذا العموم ويكون مفيداً لنا في المقصود.
هذه هى الآيات الخاصّة التي وردت في موارد مختلفة وتدلّ على حرمة الاضرار في خصوص تلك الموارد وبنحو الموجبة الجزئيّة ، ولا يبعد ـ كما مرّ ـ أن يصطاد منها عرفاً قاعدة لا ضرر بنحو كلّي وموجبة كلّية بإلغاء الخصوصيّة عن مواردها ، فإنّ العرف إذا ضمّ بعضها إلى بعض ونظر إلى مجموعها يمكن أن يستخرج منها قاعدة كلّية تحت عنوان « لا ضرر » ، وإن أبيت عن هذا فلا أقلّ من كونها مؤيّدة لسائر الأدلّة.
فلا إشكال في أنّ القاعدة مجمع عليها في الجملة ، أي توجد موارد عديدة في الفقه تكون عمدة الدليل فيها هى قاعدة لا ضرر ، نظير خيار الغبن ، ولكن لم ينعقد الإجماع عليها بعرضها العريض بحيث يمكن التعدّي إلى سائر موارد وجود الضرر ، مضافاً إلى أنّه مدركيّ فليس بحجّة.
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٨٢.
(٢) سورة النساء : الآية ١٢.