نصّ ، فالنصّ كأنّه مقطوع به من جهة الشرع ، لكن لا يصير حكماً في حقّ المجتهد إلاّ إذا بلغ وعثر عليه ، وأمّا إذا لم يبلغه ولم يعثر عليه فليس هو حكماً في حقّه إلاّبالقوّة ، لأنّ الحكم الفعلي عبارة عن النصّ البالغ المعثور عليه ، وأمّا ما لم يرد فيه نصّ فيعلم أنّه لا حكم فيها لأنّ حكم الله تعالى خطابه ، وخطابه يعرف بأن يسمع من الرسول أو يدلّ عليه دليل قاطع من فعل النبي صلىاللهعليهوآله أو سكوته ، فإذا لم يكن خطاب لا مسموع ولا مدلول عليه فكيف يكون فيه حكم؟ (١).
أقول : إنّ هذا التقسم قد نشأ من الخلط بين مراتب الحكم الثلاثة :
مرتبة الجعل ، وهى مرحلة الإنشاء ، نظير ما يصوّب في مجالس التقنين في زماننا هذا قبل الإبلاغ إلى الدولة والموظفين للإجراء ، فإنّه وإن كان مصوباً في هذه المجالس ولكن لا يكلّف المواطنون بالعمل به إلاّبعد إبلاغه رسميّاً إلى الدولة.
ومرحلة الفعليّة وهى مرحلة الإبلاغ والبعث أو الزجر فيلزم العمل على طبقه.
ومرحلة التنجيز ، وهى مرحلة استحقاق العقاب في صورة ترك العمل ، وهى لا تشمل الجاهل القاصر أو العالم العاجز عن العمل به وأمثالهما.
إذا عرفت هذه الامور الثلاثة فاعلم : أنّ الحقّ بطلان التصويب بالمعنى الذي اشتهر بين المصوّبة ( أي التصويب الأشعري ) لأنّ هذا المعنى من التصويب يبتني على أمرين :
١ ـ وجود وقائع خالية عن الحكم.
٢ ـ أن يكون اختيار التقنين بيد الفقيه فيكون من شؤون الفقيه جعل الحكم وتقنين الأحكام فيما لا حكم فيه ، ذلك الأمر الذي يعبّر عنه أخيراً بالتشريع الإسلامي ، والذي يذكر له مصادر ومنابع.
وكلا الأمرين قابل للمناقشة والمنع :
__________________
(١) الاصول العامة للفقه المقارن : ص ٦١٨.