فقد يقال : إذا كان المستصحب أو الأثر المترتّب عليه عدم الحكم كان الاستصحاب مثبتاً ، لأنّ العدم ليس ممّا يقع تحت يد الجعل ، إمّا بلحاظ نفسه فواضح ، وإمّا بلحاظ آثاره من الثواب أو العقاب فلأنّها من الآثار العقليّة.
ولكن أجاب عنه ( بحقٍّ ) المحقّق الخراساني : أوّلاً : بأنّ نفي الأثر وعدمه أمره بيد الشارع كأمر ثبوته ووجوده ، وثانياً : بأنّ عدم اطلاق الحكم على نفي الأثر غير ضائر ، إذ ليس هناك ما دلّ على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عنه كصدقه على رفع اليد عن ثبوته ووجوده.
وعلى هذا فيكون استصحاب البراءة المتيقّنة حال الصغر أو الجنون جارياً ، ولا يرد عليه ما أورده الشيخ الأعظم رحمهالله من أنّ عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعيّة ، لأنّ عدم استحقاق العقوبة وإن لم يكن من اللوازم المجعولة الشرعيّة لكن عدم المنع من الفعل ( أو عدم التكليف ) بنفسه أمر قابل للاستصحاب من دون حاجة إلى ترتّب أثر مجعول عليه ، وذلك لما عرفت آنفاً من عدم التفاوت في المستصحب أو المترتّب على المستصحب بين أن يكون هو ثبوت الحكم ووجوده ، أو عدمه ونفيه ، فيترتّب عليه أثره القهري وهو عدم ترتّب العقاب لأنّه وإن كان لازماً عقليّاً له ، ولكنّه لازم مطلق لعدم المنع ولو في الظاهر ، وسيأتي في التنبيه اللاحق أنّ اللازم العقلي أو العادي إنّما لا يثبت بالاستصحاب إذا كان لازماً للوجود الواقعي ، وأمّا إذا كان لازماً للوجود الأعمّ من الظاهري والواقعي فهذا ممّا يثبت به بلا كلام.
في أنّ ما تقدّم من عدم ترتّب اللازم العادي أو العقلي ولا الأثر الشرعي المترتّب عليه إنّما هو اللازم العادي أو العقلي للمستصحب واقعاً لا اللازم المطلق له ولو في الظاهر ( أي سواء كان لوجوده الواقعي أو الظاهري ) فليس الاستصحاب مثبتاً بالنسبة إليه ، نظير ترتّب الإجزاء على الطهارة الاستصحابيّة ، حيث إنّ شرط الصّلاة هو الأعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة فيترتّب عليها الإجزاء وإن كان من آثارها العقليّة ، ونظير ترتّب عدم العقاب على