هنا شقّ ثالث ، وما قد يقال من « أنّ الاستصحاب عرش الاصول وفرش الأمارات » كلام شعري.
وأمّا ما أفاده رحمهالله من أنّ الإحراز في باب الاصول المحرزة غير الإحراز في باب الأمارات إلى آخر ما ذكره فهو أيضاً ممّا لا يرجع إلى محصّل ، فإنّ الإحراز العملي تعبير يوهم التناقض فإنّ الإحراز لا يكون في مقام العمل ، وإنّما الإحراز في مقام العلم والظنّ ، والموجود في مقام العمل ليس إلاّ البناء على أحد الطرفين ، فحينئذٍ لا فرق بين الاستصحاب وغيره من الاصول بناءً على عدم كشفه عن الواقع.
وأمّا قاعدة الفراغ والتجاوز فسيأتي إن شاء الله تعالى من الأمارات وإن كانت متأخّرة عن أمارات اخر ، كما أنّ البيّنة مقدّمة على اليد وإن كانت كلتاهما من الأمارات.
وما قد يقال من أنّ لازم ذلك كون مثبتات قاعدة الفراغ حجّة مع أنّ ظاهرهم عدم الالتزام به مدفوع بأنّ حجّية مثبتات الأمارات مقيّدة بقيود خاصّة ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله عن قريب.
فلو كشفنا حرمة المخدّرات مثلاً من حكم العقل ، أي بقانون الملازمة فهل يصحّ استصحابه فيما إذا شككنا في بقائها في الزمان اللاحق ، أو لا؟
ذهب شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله إلى عدمه ، من باب أنّ الأحكام العقليّة كلّها مبيّنة مفصّلة من حيث مناط الحكم ، فلا يشكّ العقل حينئذٍ في حكم نفسه ، فلابدّ وأن يرجع الشكّ في بقاء المستصحب وعدمه إلى الشكّ في موضوع الحكم ، والموضوع لابدّ أن يكون محرزاً معلوم البقاء في الاستصحاب.
وبعبارة اخرى : أنّ الحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلاً للعقل الحاكم به فإن أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكماً قطعيّاً كما حكم أوّلاً ، وإن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ، فلا يعقل تطرّق الاهمال إلى موضوعه.