عن طريق الاجتهاد أو التقليد ، والإطاعة العلميّة الإجماليّة ، والإطاعة الظنّية الإجماليّة ، والعقل حاكم على لزوم رعاية هذه المراتب ، فمع إمكان المرتبة العالية من الإطاعة لا يجوز التنزّل إلى المرتبة الدانية ، وغير خفيّ أنّ العمل بالاحتياط مع القدرة على الاجتهاد أو التقليد تنزّل من الإطاعة التفصيليّة إلى الإطاعة الإجماليّة.
أقول : الإنصاف أنّ هذا ادّعاء محض ، ودعوى بلا دليل ، لأنّ المقصود من الإطاعة هو إتيان المأمور به جامعاً للشرائط ، وهو حاصل بالاحتياط ولو بتكرار العمل أيضاً ، ولما عرفت من عدم اعتبار قصد الوجه والجزم في النيّة ، وعدم المنافاة بينه وبين قصد القربة.
نعم لا يخفى أنّ العمل بالاحتياط ليس شيئاً مقدوراً لكلّ أحد بل لابدّ فيه من تشخيص مواضعه وكيفيّة أدائه ، فيجب أن يكون المحتاط إمّا من أهل العلم والإطّلاع ، أو يسأل منهم ، فالطريق الوحيد لغالب الناس هو العمل بالتقليد على فرض عدم الاجتهاد.
هذا كلّه في المقام الأوّل ( أي شرائط العمل بأصالة الاحتياط ).
فالكلام فيه يقع في موردين :
المورد الأوّل : في شرائط الإجراء بالنسبة إلى الشبهة الحكميّة.
المورد الثاني : في شرائط الإجراء بالنسبة إلى الشبهة الموضوعيّة.
أمّا المورد الأوّل : فبالنسبة إلى أصالة البراءة نقول :
يشترط في جريان البراءة العقليّة التفحّص عن مظانّ أحكام المولى ثمّ إجرائها بعد اليأس عن الضفر بها ، لأنّها عبارة عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، والمراد من البيان إنّما هو البيان في مظانّ أداء المقصود الذي به يتحقّق الوصول ، حيث إنّه لا يشترط فيه الإبلاغ إلى كلّ أحد ، فهو في مثل المعاهد والمنظّمات يتحقّق بنصب الأمر الإداري على لوحة الإعلانات أو إيراده في جريدة رسميّة ، ولا يجوز جريان البراءة إلاّبعد الفحص عن تلك اللوحة وهذه الجريدة ، وبعبارة اخرى : للمولى وظيفة وللعبد وظيفة اخرى ، فوظيفة المولى إنّما هو بيان تكليفه وإبلاغه بنحو متعارف ، ووظيفة العبد هو الفحص عن بيان المولى في مظانّه المعلومة.
هذا في البراءة العقليّة ، وكذلك فيما إذا قلنا بالبراءة العقلائيّة ( كما هو المختار ) لأنّ العقلاء أيضاً لا يجرون البراءة ولا يحكمون ببراءة ذمّة العبد إلاّبعد فحصه عن مظانّ البيان.
أمّا البراءة الشرعيّة : فحيث إنّ أدلّتها لفظيّة ( كحديث الرفع ) وهى بظاهرها مطلقة ،