فيه مقدّم على أصالة الحلّية لا من باب أنّه من قبيل الأصل الموضوعي وما إذا كان الشكّ في حكم الحلّية ناشئاً من الشكّ في موضوعه ، بل لما ذكرنا من أخصّية أدلّة الاستصحاب.
والظاهر أنّه وقع الخلط في كلام هذا المحقّق رحمهالله بين مسألة تقدّم الاستصحاب على البراءة ومسألة تقدّم الاصول الموضوعيّة على الحكميّة.
وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّ الاصول الموضوعيّة مقدّمة على الحكميّة من دون فرق بين الاستصحاب وسائر الاصول الجارية في الموضوعات كأصالة الحلّية الجارية في الحيوان ، فيجوز كون أجزاؤه في بدن المصلّى وهو مقدّم على أصالة الاشتغال بالصلاة.
ثمّ إنّه قد وقع بحث طويل بين الأعلام بمناسبة تمثيلهم للأصل الموضوعي بأصالة عدم التذكية في جريان أصالة عدم التذكية في حيوان شكّ في قابليته للتذكية ، أو في وقوع التذكية الشرعيّة عليه للشكّ في اختلال بعض الامور الدخيلة في تحقّقها.
ولابدّ لتوضيح البحث من بيان حقيقة التذكية فنقول : يحتمل فيها ثلاث احتمالات :
١ ـ أن تكون أمراً بسيطاً مسبّباً عن شيئين : أحدهما : الذبح الشرعي ، والثاني : قابلية الحيوان للتذكية ، فتكون التذكية حينئذٍ أمراً مسببيّاً ، وهو الطهارة الحاصلة في الحيوان تبيح أكله.
٢ ـ أن تكون أمراً مركّباً من الجزئين المذكورين ، فتكون حقيقتها نفس هذا السبب المركّب من جزئين.
٣ ـ أن تكون عبارة عن نفس الذبح الشرعي فقط ، وأمّا القابلية فهى شرط من شرائطها لا أن تكون جزء لماهيتها.
فعلى المعنى الأوّل : لا إشكال في جريان أصالة عدم التذكية في صورة الشكّ ، لأنّ الشكّ في التذكية وعدمها يرجع إلى الشكّ في حصول ذلك الأمر البسيط وعدمه.
وعلى الثاني : لا إشكال في عدم جريانها إلاّمن باب أصل العدم الأزلي ، لأنّ الجزء الأوّل وهو الذبح الشرعي حاصل بالوجدان ، والجزء الثاني وهو القابلية ليس عدمه متيقّناً في