قلنا : كلاّ ، هذا غير ثابت ، وإن كان مشهوراً في كثير من الأعصار لأنّ مجرّد الشهرة غير كافية ، وإن هو إلاّمثل ما ادّعي من نبوّة زردشت مع أنّها مشكوكة ، ومعاملة المجوس معاملة أهل الكتاب ( كما ورد في رواياتنا ) لا يدلّ على كون زردشت نبيّاً لولا تلك الروايات ، بل ومع تلك الروايات أيضاً لأنّ زردشت لم يثبت كونه نبي المجوس.
٣ ـ من شرائط جريان الاستصحاب في مثل المقام هو الفحص إلى حدّ اليأس لأنّه وإن كان من الشبهات الموضوعيّة ولكنّه من الامور الإعتقاديّة بل هو أساس الأحكام ومنشأها ومبناها ، فإذا كان الاستصحاب في حكم واحد مشروطاً بالفحص فما ظنّك بأساس الأحكام الإلهيّة كلّها؟
وبعبارة اخرى : يعتبر الفحص أيضاً في الموضوعات الإعتقاديّة كالشبهات الحكميّة كما صرّح به المحقّق الأصفهاني رحمهالله في تعليقته ، وحينئذٍ نقول : إنّا بعد الفحص عن نبوّة نبيّنا لم يبق لنا شكّ في ثبوتها ونسخ شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام فليس الاستصحاب جارياً بالنسبة إلينا.
وبعبارة اخرى : إن كان المراد من الشكّ في كلام الكتابي هو الشكّ قبل الفحص فلا اعتبار به ، وإن كان المراد به الشكّ بعد الفحص فهو منتفٍ.
٤ ـ لابدّ في المسائل الإعتقاديّة واصول الدين ( كما أشرنا إليه في طليعة البحث ) من تحصيل الجزم واليقين ، وهو لا يحصل من طريق الاستصحاب ولو سلّمنا حجّيته.
٥ ـ إنّ ما ورد في كلام الإمام الرضا عليهالسلام جواب صحيح في محلّه ، ولكنّه وقع في مناظرة اليهودي مورداً للمناقشة ، لإشكال وقع في نقل السيّد القزويني رحمهالله ، حيث إنّ المتيقّن المستصحب في نقله هو نبوّة كلّ عيسى عليهالسلام أو موسى عليهالسلام الذي أخبر عن نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، فأجابه الكتابي بأنّ المتيقّن هو وجود موسى عليهالسلام وهو جزئي حقيقي لا يصدق على غير واحد ، وهو معلوم لكم ولنا ، وجعله كلّياً خلاف التحقيق ، مع أنّ الوارد في كلام الرضا عليهالسلام : « أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به امّته وأقرّت به الحواريون » (١) أي نبوّة شخص عيسى عليهالسلام وكتابه وما بشّر به ، لا نبوّة كلّ عيسى ، فهو عليهالسلام يقول : « إنّ المتيقّن لنا ليس هو خصوص نبوّة عيسى فحسب ، بل هى وما بشّر به امّته ، أي كما إنّا نعلم بنبوّة عيسى عليهالسلام نعلم أيضاً بأنّه بشّر
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٠ ص ٣٠٢.