وكذا العكس ، كما يشهد به قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) (٢) وقوله تعالى : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (٣) ، وقد ورد عن ابن أبي محمود عن الرضا عليهالسلام : « فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل عن الإيمان أن يقول للحصاة : هذه نواة. ثمّ يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه » (٤).
وبالجملة أنّ حقيقة الإيمان هى الإقرار في القلب والتسليم القلبي ( عقد القلب ) وهو ممّا يمكن إنفكاكه عن العلم واليقين ، فقد يحصل التسليم بشيء في القلب مع أنّه لا يقين له به ، كما في قضية الإيمان بالجبت والطاغوت في الآية ، بل قد يكون اليقين بضدّه ، كما في قضية الحصاة الواردة في الرواية ، وقد يكون بالعكس كما في قضية فرعون وقومه.
إذا عرفت هذا فنقول : أنّ استصحاب الكتابي نبوّة موسى عليهالسلام أو عيسى عليهالسلام مختلّ من جهات شتّى :
١ ـ إنّ منشأ حجّية الاستصحاب إن كان هو الأخبار الواردة من ناحية أئمّتنا عليهمالسلام التي ترجع بالمآل إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآله فحجّية الاستصحاب تكون متوقّفة على قبول رسالته صلىاللهعليهوآله فكيف يمكن أن يكون الاستصحاب دليلاً على عدم نبوّته؟ فليس هذا إلاّمن قبيل ما يلزم من وجوده عدمه ، وهو محال ، وإن كان هو بناء العقلاء فكذلك ، لأنّ حجّية هذا النبأ متوقّف على امضائه من جانب الأئمّة عليهمالسلام فيعود المحذور ، أو من جانب موسى عليهالسلام ولا دليل عليه ، أي لا دليل على عدم ردع هذا البناء في شريعة موسى عليهالسلام لأنّها ليست مضبوطة ، بل دخلت أيادي التحريف فيها ، فلا يمكن أن يقال : أنّه لو صدر من جانب موسى عليهالسلام ردع بالنسبة إلى هذا البناء لبان ولوصل إلينا.
٢ ـ نّ جريان الاستصحاب فرع لوجود يقين سابق بنبوّة موسى عليهالسلام ولا يقين لنا بها إلاّ من طريق أخبار أئمّتنا أو الآيات الواردة في القرآن الكريم ، وكلتاهما تلازم ثبوت نبوّة نبيّنا ونسخ شريعة موسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام.
إن قلت : إنّ شريعة موسى أو عيسى عليهالسلام ثابتة بالتواتر من التاريخ الموجب لليقين.
__________________
(١) اصول الكافي : ج ٢ ، ص ٣٨٩.
(٢) سورة النساء : الآية ٥١.
(٣) سورة النجم : الآية ٢٣.
(٤) وسائل الشيعة : ج ١٨ ، الباب ١٠ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١٣.