الاستصحاب استمرار لعمر المستصحب في عمود الزمان كما مرّ.
وأمّا القول الثاني : وهو مختار المحقّق الخراساني ( عدم جريان الاستصحاب مطلقاً ) فدليله نفس ما مرّ في البحث السابق من عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين حتّى في معلوم التاريخ ، لأنّه وإن كان تاريخ حدوثه معلوماً لنا ولكن اتّصاله بزمان الشكّ الحاضر غير معلوم لنا ، لاحتمال انفصاله عنه وتخلّل ما هو المجهول تاريخ والمعلوم تحقّقه إجمالاً ، بينهما.
ولكن الجواب أيضاً هو الجواب فلا نعيده وهو الجواب الذي سبق في مسألة تعاقب الحادثتين أيضاً.
وأمّا القول الثالث : ( مختار المحقّق النائيني رحمهالله ) وهو الجريان مطلقاً فالوجه فيه بالنسبة إلى مجهولي التاريخ ما مرّ ، وأمّا بالنسبة إلى مجهول التاريخ في مقابل معلوم التاريخ فيقول : « وأمّا بالنسبة إلى المجهول تاريخه وهو الحدث في المثال فربّما يقال بعدم جريان الاستصحاب فيه تارةً من جهة عدم إحراز إتّصال زمان اليقين بالشكّ فيه ، واخرى من جهة أنّ أمره مردّد بين ما هو مقطوع الإرتفاع كما إذا كان قبل الطهارة ، وما هو مشكوك الحدوث من جهة احتمال حدوثه بعدها المحكوم بالعدم بالأصل ، ولذلك قد عرفت حديث شرطيّة إحراز إتّصال زمان اليقين بالشكّ وأنّ دوران أمر الحادث بين كونه مقطوع الارتفاع أو مشكوك الحدوث إنّما يضرّ باستصحاب الفرد دون الكلّي ، فلا مانع من جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أيضاً بنحو استصحاب الكلّي » (١).
ولكن يرد عليه :
أوّلاً : ما مرّ سابقاً بأنّ المستصحب في مثل هذا المورد ليس كلّياً لأنّ المتيقّن إنّما هو ذلك الفرد المبهم الواقع في الخارج وما نشير إليه في الاستصحاب ، فهو جزئي حقيقي ، وتسميته كلّياً مجاز ناشٍ عن إبهام صفاته.
وثانياً : سلّمنا ، ولكنّه يتمّ بالنسبة إلى خصوص البيان الأوّل ، ويبقى البيان الثاني ( أعني شبهة انفصال زمان اليقين عن زمان الشكّ ) على تماميته ، وقد عرفت أنّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من عدم الانفصال ( من جهة أنّ اليقين والشكّ من الصفات الوجدانيّة التي لا
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٤٣٤ ، طبع مؤسسة مطبوعات ديني.