بينه وبين ما سبق ( وهو توارد الحادثتين ) أنّ الحالتين في المقام لمكان تضادّهما لا يتصوّر فيهما التقارن ، بخلاف الحادثتين كالملاقاة واحد كموت المتوارثين ونحوه ، بينما الحالتان المتعاقبتان تعرضان لمحلّ واحد كما في مثل الوضوء والحدث ، هذا مضافاً إلى أنّ الكلام فيما سبق وقع في استصحاب عدم أحدهما إلى حال حدوث الآخر ، وهيهنا يقع في استصحاب وجود أحدهما أو عدمه إلى زمان خاصّ.
وكيف كان فالأقوال في المسألة أربعة :
١ ـ ما يظهر من كلمات الشيخ الأعظم رحمهالله من التفصيل بين ما إذا كانا مجهولي التاريخ فيجري الاستصحاب في كليهما ويتعارضان فيتساقطان ، وما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ فيجري فيه دون مجهول التاريخ ، على عكس ما سبق في الحادثتين.
٢ ـ ما قد يظهر من كلمات المحقّق الخراساني من عدم جريان الاستصحاب فيه مطلقاً.
٣ ـ جريان الاستصحاب في كلتا الصورتين ، وهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله في أجود التقريرات.
٤ ـ الأخذ بضدّ الحالة السابقة على الحالتين إن كانت معلومة لنا ، وهو منسوب إلى المحقّق الثاني رحمهالله وجماعة ، بل وإلى المحقّق الأوّل رحمهالله أيضاً في المعتبر.
أمّا القول الأوّل : الذي هو المختار فيمكن أن يستدلّ له بأنّه إذا كانا مجهولي التاريخ فحيث إنّ أركان الاستصحاب في كليهما تامّة فيجري في كليهما ويتساقطان ، كما أنّ الأركان تامّة في خصوص معلوم التاريخ فيما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ ، دون مجهول التاريخ ، وذلك ببيانين :
أحدهما : أنّ مراده دائر بين ما هو معلوم الارتفاع وما هو مشكوك الحدوث ، فإذا علم بأنّه توضّأ عند الزوال مثلاً وعلم أيضاً بحدوث الحدث ، ولا يعلم أنّه وقع قبل الزوال أو بعده فلا يجري استصحاب بقاء الحدث ، لأنّه بالنسبة إلى قبل الزوال معلوم ارتفاعه فلا شكّ فيه ، وبالنسبة إلى بعد الزوال مشكوك حدوثه فلا يقين به.
ثانيهما : أنّه من أوضح مصاديق احتمال انفصال زمان اليقين عن زمان الشكّ ، أي أنه من مصاديق الشبهة المصداقيّة لدليل « لا تنقض » لأنّ الحدث إن وقع قبل الزوال حصل الإنفصال قطعاً ودخل في قوله : « انقضه بيقين آخر » فلا يكون الإتّصال محرزاً في عمود الزمان ، مع أنّ