ثمّ رفع يده عمّا يستظهر من كلامه إلى هنا ( وهو كون « لا » ناهية ) في ذيل كلامه ، وقال : « وليعلم أنّ المدّعي أنّ حديث الضرر يراد به إفادة النهي عنه سواء كان هذا باستعمال التركيب في النهي ابتداءً أو أنّه استعمل في معناه الحقيقي ، وهو النفي ولكن لينتقل منه إلى إرادة النهي ... وربّما كانت دعوى الاستعمال في معنى النفي مقدّمة للانتقال إلى طلب الترك أدخل في إثبات المدّعى ، حيث لا يتّجه حينئذٍ ما يستشكل في المعنى الأوّل من أنّه تجوّز لا يصار إليه » ( انتهى ).
وقد ناقش في كلامه في تهذيب الاصول بأنّ « اطلاق النفي وإرادة النهي وإن كان شائعاً كما استشهد من الشواهد إلاّ أنّه ليس بمثابة يكون من المجازات الراجحة عند تعذّر الحقيقة لأنّ استعماله في غيره أشيع منه ، وإليك ما يلي من الروايات والكلمات ممّا ورد على حذو هذا التركيب وقد اريد منه النفي بلا إشكال : لا طلاق إلاّعلى طهر ، لا طلاق إلاّبخمس : شهادة شاهدين ... الخ ، لا طلاق فيما لا تملك ، ولا عتق فيما لا تملك ، ولا بيع فيما لا تملك ... ( إلى آخر ما أورده من الروايات والكلمات ) » (١).
أقول : لقائل أن يقول : إنّ هذه الموارد على خلاف المطلوب أدلّ فإنّها أيضاً مستعملة في النفي إلاّ أنّ النهي فيها إرشاد إلى أحكام وضعية كالبطلان ، نعم أنّها ترد على المحقّق شيخ الشريعة رحمهالله لو كانت مدّعاه أنّ « لا » في قوله صلىاللهعليهوآله : « لا ضرر ولا ضرار » ظاهرة في النهي التكليفي فقط ، فينقض كلامه حينئذٍ بالموارد المذكورة ، حيث إنّه لا إشكال في أنّ « لا » فيها استعملت في الحكم الوضعي.
ثمّ قال في التهذيب بعد ذكر هذه الموارد : « نعم لو دار الأمر بين ما ذكره القوم ، فما اختاره أرجح ، لخلوّه عن كثير ممّا ذكرناه من الإشكال » (٢).
أقول : وفي كلام شيخ الشريعة رحمهالله أمران : أحدهما : تامّ والآخر : غير تامّ.
أمّا الأمر الذي ليس بتامّ فهو ما ادّعاه أوّلاً بأنّ « لا » في التراكيب المذكورة في كلامه اريد منها النهي لأنّ « لا » في جميعها حتّى في قوله تعالى : ( فلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) وقوله تعالى : ( لا مساس ) مستعملة في معنى النفي كما يشهد عليه التبادر العرفي ، فليس معنى قوله : ( لَارَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا في الحجّ ، بل
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) المصدر السابق : ص ٤٨١.