مفادها نفي وجود هذه الامور ، ويشهد عليه أيضاً جواز تبديل « لا » في تمام هذه التراكيب بـ « ليس » التي لا إشكال في أنّها لخصوص النفي ، فيقال بدل قوله : ( فلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) « ليس في الحجّ رفث ولا فسوق ولا جدال ».
هذا ، مضافاً إلى أنّه لا يمكن إرادة النهي في بعض هذه التراكيب بوجه من الوجوه ، فلا يصحّ أن يقال : ( مثلاً ) أنّ معنى قوله صلىاللهعليهوآله : « لا اخصاء في الإسلام » « لا تخصوا في الإسلام » لعدم إمكان أن يكون الإسلام ظرفاً للاخصاء.
نعم لازمه النهي عنها ، فيكون النفي في هذه التراكيب كناية عن النهي ، وهذا هو الأمر الثاني الذي التفت إليه أخيراً ، وإلى هذا يرجع ما استدلّ به من كلمات أرباب اللغة فإنّهم فسّروها بلازم المعنى كما هو دأبهم في سائر المقامات.
هذا كلّه هو الأمر الأوّل ، وقد ظهر منه أنّ كلمة « لا » في الحديث نافية.
وأمّا الأمر الثاني : وهو أنّ فاعل الضرر في هذا الحديث هل هو الناس بعضهم ببعض ، أو الله سبحانه وتعالى؟ ( بل العمدة في فهم معنى الحديث هو توضيح هذا المعنى لا كون « لا » نافية أو ناهية كما ستعرف إن شاء الله ) فنقول : إن كان الفاعل هو الله سبحانه ، فمعنى الحديث أنّ الله تعالى لا يجعل حكماً ضررياً ، وضعيّاً كان أو تكليفيّاً ، وإن كان الفاعل هو الناس فمعناه أنّ الله تبارك وتعالى لا يجيز الناس أن يضرّ بعضهم ببعض ، ولنا شواهد عديدة على الثاني :
منها : أنّه لا إشكال في أنّ فاعل « ضرار » هو الناس بناءً على وجود الفرق بينه وبين معنى الضرر كما هو مقتضى ما مرّ من الشواهد الروائيّة والكتابيّة واللغويّة ، وحينئذٍ وحدة السياق تقتضي أن يكون فاعل الضرر أيضاً هو الناس.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآله في قضيّة سمرة « ما أراك إلاّمضارّاً » فإذا كان الفاعل في الصغرى هو المكلّف نفسه فليكن في الكبرى أيضاً كذلك.
ومنها : التراكيب المشابهة الواردة في الكتاب والسنّة ، كقوله صلىاللهعليهوآله : « لا غشّ بين المسلمين » وقوله : « لا هجر بين المسلمين » وقوله تعالى : ( فلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) وقوله صلىاللهعليهوآله : « لا سبق إلاّفي ثلاث » وقوله : « لا اخصاء في الإسلام ، وقوله : « لا بيع إلاّفي ملك » و « لا يمين في معصية الله » و « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » و « لا طلاق إلاّفي طوع » وغيرها من التراكيب التي لا إشكال في أنّ الفاعل فيها هو المكلّفون.