ولا يخفى أنّ نتيجة هذا القول حكومة قاعدة لا ضرر على قاعدة السلطنة فقط كما صرّح به.
أقول : يستدعي التحقيق في المسألة وبيان المختار فيها ونقد الأقوال المزبورة البحث في أمرين آخرين :
أحدهما : في كون كلمة « لا » الواردة في الحديث ناهية أو نافية؟
ثانيهما : في فاعل الضرر وأنّه هل هو الناس أو الله سبحانه؟
أمّا الأمر الأوّل فإستدلّ شيخ الشريعة رحمهالله لكون « لا » ناهية بامور :
الأوّل : الإطّراد وشيوع هذا المعنى في هذا التركيب ، أعني تركيب « لا » ( التي وضعت لنفي الجنس أصالة ) في الاستعمالات العرفيّة.
الثاني : كلمات أئمّة اللغة ومهرة أهل اللسان فادّعى أنّهم متّفقون على إرادة النهي في قوله صلىاللهعليهوآله « لا ضرر ولا ضرار » فنقل في هذا المجال عبارات جماعة منهم.
الثالث : موارد استعمال مثل هذا التركيب في الكتاب والسنّة ، نظير قوله تعالى : ( فلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) وقوله تعالى : ( فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَامِسَاسَ ) أي لا يمسّ بعض بعضاً فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع ، لا يمسّ أحداً ولا يمسّه أحد ، عاقبه الله تعالى بذلك ، وكان إذا لقى أحداً يقول : لا مساس ، أي لا تقربني ولا تمسّني ، وفي السنّة نظير قوله صلىاللهعليهوآله : « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام » وقوله : « لا جلب ولا جنب ولا إعتراض » وقوله : « لا إخصاء في الإسلام » وقوله : « لا غشّ بين المسلمين » وقوله : « لا هجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيّام » ثمّ قال : « ولو ذهبنا لنستقصي ما وقع من نظائرها في الروايات واستعمالات الفصحاء نظماً ونثراً لطال المقال وأدّى الملال » ثمّ أيّد قوله بما جاء في قضيّة سمرة من قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّك رجل مضارّ » قبل قوله « لا ضرر ولا ضرار على مؤمن » حيث إنّهما بمنزلة صغرى وكبرى ، ويصير معناه : إنّك رجل مضارّ والمضارّة حرام ( أي منهية ) وهو المناسب لتلك الصغرى ، لكن لو اريد غيره ممّا يقولون صار معناه : إنّك رجل مضارّ والحكم الموجب للضرر منفي أو الحكم المجعول منفي في صورة الضرر ، ولا أظنّ بالأذهان المستقيمة ارتضائه ».