وبالنسبة إلى العصاة والكفّار نقول : إنّ التكليف تارةً يكون بداعي البعث ، واخرى بداعي إتمام الحجّة كما يدلّ عليه مثل قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) (١) ، وتكليف العصاة والكفّار من قبيل الثاني لا الأوّل.
وأمّا النقض بوجوب الاحتياط في الشكّ في القدرة ، فيردّ بأنّ وجوب الاحتياط في هذه الموارد ليس من باب فعلية التكليف الكلّي غير المنحلّ وعدم انحلاله بعدد المكلّفين ، بل من باب وجود خصوصيّة في المقام ، حيث إنّ القدرة على الامتثال وإن كان حالها حال سائر القيود المأخوذة في فعلية التكاليف ولكن مع ذلك لا تجري البراءة في موارد الشكّ فيها لوجود قاعدة عقلائيّة هنا لأنّ بناء العقلاء في دائرة الموالي والعبيد العرفيّة على لزوم الفحص عن وجود القدرة ولزوم التصدّي للامتثال وعدم صحّة الإعتذار بمجرّد احتمال عدم القدرة ، وهذا الأمر الإرتكازي العقلائي بعد عدم الردع عنه من قبل الشارع بمنزلة قرينة متّصلة تمنع عن انعقاد الاطلاق في أدلّة البراءة لموارد الشكّ في التكليف الناشيء من الشكّ في القدرة ، بل يمكن أن يقال : إنّه وارد عليها لانتفاء موضوع البراءة بعد ورود هذا البيان.
وعلى سبيل الفرض إذا قال المولى لعبده وخاطبه بخطاب شخصي بقوله : « اشتر الخبز من السوق » فشكّ العبد في وجود الخبز في السوق لكون اليوم يوم العطلة فلم يتفحّص عنه واعتذر عند المولى بهذا الشكّ ، أترى العقلاء يقبلون هذا العذر من هذا العبد ، أو يوجبون عليه الفحص بالمقدار المتعارف؟
وأمّا نقضه بالأحكام الوضعيّة فيمكن الجواب عنه بأنّ الأحكام الوضعيّة تنحلّ بعدد موضوعاتها لا بعدد المكلّفين ، فينحلّ حكم الشارع بطهارة الماء مثلاً في قوله عليهالسلام : « الماء كلّه طاهر » بعدد المياه الموجودة في سطح الأرض ، ولا يخفى أنّه يكفي في عدم لزوم اللغويّة ابتلاء بعض المكلّفين بكلّ واحد منها ، نعم لو فرض وجود بعض المياه في بعض الكرات من المنظومة الشمسيّة بحيث لا يبتلى بها أيّ مكلّف فعدم شمول الحكم الوضعي لها غير بعيد فلا تشملها أدلّة الطهارة ولا النجاسة.
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ١٦.