نعم هذا بناءً على كون الأحكام الوضعيّة مجعولة بالأصالة كما هو المختار في محلّه ، وأمّا لو قلنا بأنّها امور انتزاعيّة من الأحكام التكليفيّة وتكون مجعولة بتبع جعلها فيكون النقض وارداً لأنّه من المستغرب جدّاً أن يكون الخمر مثلاً نجساً بالنسبة إلى مكلّف وغير نجس بالنسبة إلى مكلّف آخر ، بل لا معنى له مع فعليّة الحكم التكليفي بالنسبة إلى جميع المكلّفين وانحلاله بعددهم.
بقي هنا أمران :
الأمر الأوّل : إنّ شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله استدلّ في المقام برواية دم الرعاف المعروفة وهى ما رواه علي بن جعفر عليهالسلام عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام قال : سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال : إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس وإن كان شيئاً بيّناً فلا تتوضّأ منه ».
وحيث إنّ مقتضى ظاهر هذه الرواية عدم تنجّس الماء بالدم القليل والمشهور بين الفقهاء عدم الفرق بين القليل والكثير وقعوا في مقام توجيه هذه الرواية في حيص وبيص ( بعد أن التزم شيخ الطائفة رحمهالله بظاهرها فقال بعدم تنجيس ما لا يدركه الطرف لاستهلاكه في الماء ) وذكروا لها وجوهاً :
منها : المناقشة في سندها لوجود بعض المجاهيل فيه.
واجيب عنه بالمنع في طريق الكافي ، ويمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ صاحب الوسائل رواها عن كتاب علي بن جعفر ، والظاهر أنّ كتابه كان عنده.
ومنها : أنّ التفرقة بين الاستبانة وعدم الإستبانة فيها إشارة إلى صورة العلم وصورة الشكّ فلم تأت هذه الرواية بشيء جديد.
وفيه : إنّه خلاف ظاهرها وخلاف التعبير بـ « أصاب إناءه » حيث إنّ صريحه أنّ أصل الإصابة معلوم في كلتا الصورتين.
ومنها : إنّ المراد في صورة عدم الاستبانة هو الأجزاء الصغيرة من الدم التي لا ترى بغير المنظار كالأجزاء البولية الصغار الموجودة في البخار الحاصل منه.