علماً وجدانياً لا يحتمل الخلاف بالتكليف الفعلي الذي لا يرضى المولى بتركه ... وهذا هو الذي يصلح أن يبحث عنه في باب القطع » (١) فحاصل كلامه أنّ المراد من العلم الإجمالي المبحوث عنه في باب القطع هو العلم الحاصل بالوجدان والمراد منه في مبحث الاشتغال هو ما حصل بإطلاق دليل أو قيام حجّة.
ويرد عليه أوّلاً : أنّه خلاف تعابيرهم والأمثلة التي ذكروها في المقام كالتمثيل بالعلم الإجمالي بالخمر الدائر بين الإنائين حيث إنّه يشمل ما إذا علم به بالوجدان ، وليس المراد منه خصوص ما إذا قامت البيّنة على خمرية أحد الإنائين قطعاً ، وكذلك التمثيل بالصلاة المردّدة بين الجمعة والظهر حيث إنّها معلوم وجوبها في يوم الجمعة بضرورة من الدين وإجماع المسلمين.
ثانياً : إنّ الملاك تمام الملاك في ما نحن فيه كون التكليف فعليّاً من جميع الجهات وعدم كونه كذلك ، من دون فرق بين العلم الوجداني والأمارات المعتبرة ، فإن لم يكن فعليّاً من جميع الجهات يمكن جريان الاصول المرخّصة وإلاّ يكون المورد مجرى قاعدة الاشتغال.
ثالثاً : إنّ الترخيص الصادر من الشارع ليس منحصراً في موارد أدلّة الاصول العمليّة ، بل إنّها إحدى الطرق المرخّصة لما سيأتي من ترخيصه في الشبهات غير المحصورة لملاكات اخر ، والحقّ كما ذكرنا في محلّه أنّ مسألة القطع قائمة بتأثير العلم الإجمالي من حيث الاقتضاء ، ومباحث العلم الإجمالي هنا ناظرة إلى عدم وجود الموانع لهذا المقتضى.
ثمّ إنّ البحث هيهنا يقع في جهتين : حرمة المخالفة القطعيّة ، وحرمة المخالفة الاحتماليّة.
أمّا الجهة الاولى : فقال الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله : « لنا على ذلك وجود المقتضي للحرمة وعدم المانع عنها ، إمّا ثبوت المقتضي فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه فإنّ قول الشارع « إجتنب عن الخمر » يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين الإنائين أو أزيد ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلاً مع أنّه لو إختصّ الدليل بالمعلوم تفصيلاً خرج الفرد المعلوم إجمالاً عن كونه حراماً واقعياً وكان حلالاً واقعياً ولا أظنّ أحداً يلتزم بذلك ، وأمّا عدم المانع فلأنّ العقل لا يمنع من التكليف عموماً أو خصوصاً بالاجتناب عن عنوان الحرام
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٢٤٨ ، طبع جماعة المدرّسين.