المشتبه في أمرين أو امور والعقاب على مخالفة هذا التكليف ، وأمّا الشرع فلم يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من قولهم عليهمالسلام « كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام بعينه » و « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه » وغير ذلك. ولكن هذه الأخبار وأمثالها لا يصلح للمنع لأنّها كما تدلّ على حلّية كلّ واحد من المشتبهين كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم إجمالاً لأنّه أيضاً شيء علم حرمته » ، انتهى.
فحاصل استدلال الشيخ الأعظم رحمهالله لحرمة المخالفة القطعيّة أنّ المقتضي ( وهو إطلاقات أدلّة الأحكام وعموماتها ) موجود ، والمانع ( وهو البراءة العقليّة والنقليّة ) مفقود ، وقد تبعه سائر الأعلام فمشوا في استدلالاتهم على ما يقرب استدلال الشيخ رحمهالله ومنهم المحقّق النائيني رحمهالله ، غاية الأمر أنّه قسّم الاصول على ثلاثة أقسام : أصالة الحلّية ، والاصول التنزيليّة ، والاصول غير التنزيلية ، وأنكر جريان جميعها للزوم التناقض بين حكم العقل بلزوم الاجتناب عن جميع الأطراف ( مقدّمة للإجتناب عن الحرام المنجّز الموجود في البين ) وبين الترخيص في جميع الأطراف (١).
وكذلك المحقّق العراقي رحمهالله فقال : « لا إشكال في أنّه لا قصور في منجّزية العلم الإجمالي لما تعلّق به من التكليف وإنّه بنظر العقل بالإضافة إلى ما تعلّق به كالعلم التفصيلي في حكمه بوجوب الإمتثال ، إذ لا فرق بينهما إلاّمن حيث إجمال المتعلّق وتفصيله وهو غير فارق في المقام بعد كون مناط التحميل بنظر العقل إحراز طبيعة أمر المولى بلا دخل خصوصيّة فيه ...
بل التحقيق إنّ حكمه بالاشتغال ووجوب الإمتثال يكون على نحو التنجيز بحيث يأبى عن الردع عنه بالترخيص على خلاف معلومه في تمام الأطراف كإبائه عنه في العلم التفصيلي لكون ذلك بنظره ترخيصاً من المولى في معصيته وترك طاعته ومثله لا يصدّقه وجدان العقل بعد تصديقه خلافه » (٢).
وقال شيخنا العلاّمة الحائري رحمهالله : « لنا إنّ المقتضي للامتثال وهو العلم بخطاب المولى موجود بالفرض والشكّ في تعيين المكلّف به ليس بمانع عند العقل وهل تجوز المخالفة القطعيّة للتكليف المقطوع مع تمكّن المكلّف من الامتثال بمجرّد الشكّ في التعيين حاشاه من ذلك فإنّ
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ١٠ ـ ٢٤ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) نهاية الأفكار : القسم الثاني من الجزء الثالث ، ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦.