من مجموع أدلّة الأحكام والإجماعات الحاصلة بين الفقهاء أنّ الحلّ القريب من الكلّ من التكاليف عدم كونها فعلية من جميع الجهات ، ولذا نلاحظ استثنائها وتخصيصها بالعناوين الثانوية كالاضطرار والإكراه والتقيّة وغيرها ، فما دام لم يعلم بالعلم التفصيلي أمكن إجراء الاصول المرخّصة أو الأدلّة الخاصّة الواردة فيها أو في مورد العلم التفصيلي تحت عنوان « العناوين الثانوية ».
نعم يستثنى منها موارد الدماء وشبهها ، فيمكن أن يقال بأنّها فعلية من جميع الجهات ، أي إن كان المورد من قبيل الدماء وشبهها كان الحكم فعليّاً من جميع الجهات ، فإذا علم إجمالاً مثلاً بوجود دم محقون مردّد بين شخصين : أحدهما : مؤمن متّقٍ ، والآخر : كافر يكون العلم الإجمالي منجّزاً للتكليف.
بل وكذا الحال في الشبهات البدوية منها ، فإنّ الاحتياط واجب فيها ، ولذا لا تجري فيها أحكام العناوين الثانوية كالتقيّة ومثلها كما ورد في الحديث : « إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقيّة » (١) ، بخلاف ما إذا كان المورد كالمايع النجس الدائر بين الإنائين فإنّه يمكن ورود الترخيص فيها إمّا بمقتضى أدلّة الاصول ( على القول به ) أو بعنوان « العناوين الثانويّة ».
لكن مسألة الدماء أيضاً ليست فعلية من جميع الجهات لانتقاضها بمسألة التترّس في الجهاد كما لا يخفى ، فإنّ المعروف حينئذٍ هو جواز القتل حتّى إذا كان الدم المحقون معلوماً تفصيلاً.
ثمّ إنّه تصدّى في تهذيب الاصول لتوجيه التكرار الحاصل في المقام في كلمات القوم حيث إنّهم تارةً يبحثون عن العلم الإجمالي في مبحث القطع واخرى في مبحث الاشتغال ، فقال : « إذا علمنا حرمة شيء أو وجوبه لا بعلم وجداني بل بشمول اطلاق الدليل أو عمومه على المورد كما إذا قال : « لا تشرب الخمر » وشمل بالإطلاق على الخمر المردّد بين الإنائين فهل يمكن الترخيص بأدلّة الاصول بتقييد اطلاق الدليل أو لا؟ وهذا هو الذي ينبغي أن يبحث عنه في المقام ( مبحث الاشتغال ) ومثله إذا علم إجمالاً بقيام حجّة على هذا الموضوع أو ذاك ، كما إذا علم بقيام أمارة معتبرة إمّا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة » وقال في صدر كلامه : « إذا علم
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١١ ، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ، الباب ٣١ ، ح ١.