يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ :
لَقِيتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ عليهالسلام ـ ونَحْنُ نُرِيدُ الْعُمْرَةَ ـ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، فَقُلْتُ (١) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هَلْ تُثْبِتُ (٢) هذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ؟ » قُلْتُ : نَعَمْ ، إِنِّي (٣) أَنَا وأَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وأَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، ومَعَهُ إِخْوَتُكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي ، أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ ، والْمَوْتُ لَايَعْرى مِنْهُ أَحَدٌ ، فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثْ (٤) بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي (٥) ؛ فَلَا يَضِلُّ.
قَالَ : « نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، هؤُلَاءِ ولْدِي ، وهذَا سَيِّدُهُمْ ـ وأَشَارَ إِلَيْكَ ـ وقَدْ عُلِّمَ (٦) الْحُكْمَ (٧) والْفَهْمَ (٨) والسَّخَاءَ والْمَعْرِفَةَ (٩) بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ، ومَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ودُنْيَاهُمْ ، وفِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وحُسْنُ الْجَوَابِ ، وهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللهِ عَزَّ
__________________
(١) في حاشية « ج » : + « له ».
(٢) في « ألف ، ه ، و، بر » والمطبوع : « تثبّت » ـ وكذا « تثبّته » فيما بعد ـ. وفي الشروح : « تُثْبِتُ » من الإثبات بمعنىالمعرفة. يقال : ثابَتَهُ وأَثْبَتَهُ ، أي عَرَفَهُ حَقَّ المعرفة ، وتساعده اللغة. لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٢٠ ( ثبت ).
(٣) في « الوافي » : ـ « إنّي ».
(٤) قوله : « احدّث » إمّا مجزوم في جواب الأمر ، أو مرفوع صفة لقوله : « شيئاً » ، كما في « ض » و « بر ». هذا في الشروح. وأمّا قوله : « فلا يضلّ » فمنصوب جواباً للأمر على الثاني ، أو مرفوع تفريعاً محضاً على الأوّل.
(٥) « من يَخْلُفُني من بعدي » ، أي يجيء. يقال : خَلَفْتُهُ ، أي جئتُ بعده. قال المجلسي : « فيه نوع من الأدب بإظهار أنّي لا أتوقّع بقائي بعدك ، لكن أسأل ذلك لأولادي وغيرهم ممّن يكون بعدي ». راجع : المصباح المنير ، ص ١٧٨ ( خلف ) ؛ مرآة العقول ، ج ٣ ، ص ٣٤٧.
(٦) في مرآة العقول : « وقد علم ، على بناء المعلوم المجرّد ، أو على بناء المجهول من التفعيل ».
(٧) « الحُكْمُ » : العلم والفقه والقضاء بالعدل. أو الحِكْمَةُ ، وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ، ويقال لمنيُحسن الصناعات ويُتْقِنها : حكيم. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ٤١٩ ( حكم ).
(٨) قال المجلسي : « الفهم : سرعة انتقال الذهن إلى مقصود المتكلّم عند التحاكم وغيره ». وراجع : هامش القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٠٩ ( فهم ).
(٩) « المَعْرِفَةُ » و « العِرْفان » : إدراك الشيء بتفكّر وتدبّر لأثره ، وهو أخصّ من العلم ، ويضادّه الإنكار ، ويقال : فلان يعرف اللهَ ، ولا يقال : يعلم اللهَ متعدّياً إلى مفعول واحد ، ويقال : الله يعلم كذا ، ولا يقال : يعرف كذا. راجع : المفردات للراغب ، ص ٥٦ ( عرف ).