تقصير في العمل بخبر العادل الضابط وإن لم يؤمن معه فوت الواقع ، كما لا يترتب عليه الندم. ولأجل ذلك كان عموم التعليل آبيا عن التخصيص عرفا ، ولو حمل على مطلق الجهل بالواقع لم يكن آبيا عنه ، لتعارف الطرق غير العلمية عند العقلاء ، وعدم منافاتها لمرتكزاتهم.
هذا كله بناء على حمل الجهالة على ما يقابل العلم ، وأما بناء على حملها على ما يناسب الطيش والحمق والسفه ويقابل الرشد والتعقل والحكمة فالأمر أظهر. ولعل الثاني هو الأشهر في الاستعمال في الكتاب والسنة وغيرهما ، فقد استعمل الجهل ومشتقاته في ما يزيد على عشرين موضعا من الكتاب الكريم في المعنى المذكور صريحا أو ظاهرا ، واشتهر استعماله في ذلك في السنة الشريفة ، كما يظهر بملاحظة كتاب العقل والجهل من الكافي وغيره ، وكذا الحال في استعمالات أهل اللغة.
نعم ورد استعماله بالمعنى الأول في مثل قولهم عليهمالسلام : «أيما امرئ ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه». إلا أنه دون الاستعمال في المعنى الثاني. ولذا كان الجهل عرفا صفة ذم مستتبعة للوم ، مع أن عدم العلم بنفسه وإن كان نقصا لا يستتبع اللوم أصلا. ومن ثم كان المعنى المذكور هو الأقرب في الآية الشريفة ، ولا سيما بملاحظة كونها إشارة إلى أمر ارتكازي عرفي ، كما لعله ظاهر. وحينئذ فقصور التعليل فيها عن مورد المفهوم ظاهر جدا.
نعم قد يقال : حمل التعليل على خصوص ما لا يقدم العقلاء على العمل به لا يناسب الآية الشريفة ، حيث وردت لردع النبي صلىاللهعليهوآله أو الصحابة عن محاولة العمل بخبر الفاسق ، إذ لا مجال لتوهم إقدامه صلىاللهعليهوآله أو إقدامهم على ما لا ينبغي العمل عليه عند العقلاء ، بل لا بد من البناء على ورودها لردعهم في مورد سيرة العقلاء على العمل بالخبر زيادة في التحفظ.