الفصل الثاني
في استصحاب الأحكام الوضعية
حكي عن الفاضل التوني قدسسره القول بعدم جريان الاستصحاب إلا في الأحكام الوضعية. لكن لا بمعنى جريانه في نفس الحكم الوضعي ـ كالسببية والمانعية ونحوهما ـ بل في موضوع الحكم الوضعي ، كالبلوغ الذي هو سبب للتكليف ، والطهارة التي هي شرط للصلاة ، والحيض الذي هو مانع منها. فالتفصيل في الحقيقة بين موضوعات الأحكام الوضعية وغيرها.
وعمدة ما ذكره في وجهه : هو عدم عروض الإجمال والشك في بقاء الحكم التكليفي ـ الذي هو مورد للعمل ـ إلا من جهة الشك في حدوث سببه أو شرطه أو مانعة ، أو بقاء أحدهما ، لوفاء الأدلة بالجهات الأخرى ، فلا يحتاج للاستصحاب.
وهو كما ترى ، لإمكان الشك من جهات أخرى ، لإجمال الأدلة ، كما لو شك في مفهوم السبب وتحديده ، بأن شك مثلا في مقدار السن الذي يتم به البلوغ ، أو شك في كيفية سببية السبب ، وأنه سبب حدوثا وبقاء أو حدوثا فقط ، أو نحو ذلك ، مما لا مجال معه للاستصحاب في نفس السبب وجودا أو عدما ، فيحتاج لاستصحاب نفس الحكم.
نعم في المقام نزاع آخر ، وهو النزاع في جريان الاستصحاب في نفس الأحكام الوضعية ، كالسببية والشرطية والمانعية والملكية والحجية وغيرها. ومنشؤه النزاع في أن الأحكام الوضعية مجعولة بأنفسها أو منتزعة من الأحكام التكليفية ، فيصح استصحابها على الأول ، ولا يصح على الثاني ، إذ لا حقيقة