وبالجملة : لا بد في جريان الأصل من ترتب الأثر العملي بنحو لا ينافي العمل المترتب على العلم ، وليست المخالفة القطعية للتكليف المعلوم إلا من صغريات ذلك ، من دون أن تكون تمام المحذور.
المقام الثاني : في الموافقة القطعية
والمعروف وجوبها في المقام ، وعن بعض دعوى الإجماع عليه. وإن كان القول بجواز تركها والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية محكيا عن بعض ، وليس هو شاذا كإنكار حرمة المخالفة القطعية.
وكيف كان فعدم وجوب الموافقة القطعية إما أن يكون لدعوى قصور العلم الإجمالي عن اقتضائها ، أو لدعوى وجود المانع مع تمامية المقتضي في نفسه.
أما الأولى : فيظهر اندفاعها مما تقدم في الفصل الخامس من مباحث القطع من أن العلم الإجمالي كالتفصيلي في التنجيز ، بضميمة ما تقدم في التمهيد لمحل الكلام من أن تنجيز التكليف يقتضي عقلا لزوم إحراز الفراغ عنه بالموافقة القطعية.
ودعوى : أنه لما كان العلم الإجمالي في المقام عبارة عن العلم بوجوب أحد الأمرين مثلا فهو لا يقتضي إلا تنجيز أحدهما بالنحو المقتضي لعدم تركهما معا ، دون ما زاد عليه من الخصوصية ، لعدم المنجز لها بعد فرض الجهل بها ، فالامتثال بأحد الطرفين إطاعة قطعية للتكليف المنجز ، وإن كان إطاعة احتمالية للتكليف الواقعي.
مدفوعة بأن تنجيز العلم تابع للواقع المعلوم ، والمفروض أن التكليف المعلوم مشتمل على إحدى الخصوصيتين ، فالخصوصية معلومة على إبهامها وإجمالها ، فيلزم إحراز الفراغ عنها ، وهو لا يكون إلا بالجمع بين الطرفين.