وبقولنا : «بالذات أو لأمر خارج» يظهر عموم التنافي في محل الكلام للوجهين معا. وتوضيح ذلك أن التنافي بين الدليلين .. تارة : يكون بلحاظ مدلولهما المطابقي ـ كما لو دل أحدهما على الوجوب والآخر على عدمه ، أو على الاستحباب ـ أو مدلولهما الالتزامي بلحاظ ملازمة ظاهرة تكون من سنخ القرينة المحتفة بالكلام الموجبة لظهوره في اللازم ، كدليل وجوب القصر ودليل وجوب التمام ، بضميمة ما هو المعلوم من عدم وجوب صلاتين ، حيث يكون ذلك متمما لدلالة كل منهما على نفي الآخر ، ومنشأ للتنافي بينهما.
وأخرى : يكون لأمر خارج عن مدلولهما المطابقي والالتزامي ، ثبت بدليل خارجي يقتضي عدم ثبوت مدلولي الدليلين معا ، إذ يكشف ذلك عن كون ثبوت كل منهما ملازما لعدم الأخر ، فيكون دليل كل منهما حجة على نفي الآخر ، لما هو المعلوم من حجية الدليل في لازم مؤداه وإن لم يكن مدلولا التزاميا له ، فيتنافيان بلحاظ ذلك ، وإن لم يتنافيا بأنفسهما. هذا في الأدلة التي تكون حجة في لازم مؤداها.
وأما الأصول فكما إذا لزم من جريان الأصلين محذور مانع من الجمع بينهما ، كما في موارد العلم الإجمالي المنجز ، حيث يلزم من جريان الأصول الترخيصية في الأطراف المخالفة القطعية للتكليف المنجز ، وهو أمر خارج عن مفاد الأصول يقتضي التنافي بينها بالعرض.
بقي في المقام أمران :
الأول : تعرض شيخنا الأعظم قدسسره للكلام في قاعدة : «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» المدعى عليها الإجماع من بعضهم. وقد أطال الكلام فيها بما لا يسعنا متابعته فيه بعد إجمال المراد من القاعدة المذكورة ، وعدم الدليل عليها غير الأدلة العامة المحكمة في العمل بالأدلة.