لكنه مندفع بأنه لا يظهر من الآية الشريفة الردع للنبي صلىاللهعليهوآله أو لأهل التعقل والحكمة من المؤمنين والتابعين له صلىاللهعليهوآله في القول والعمل ، بل سياقها كالصريح في مجانبة النبي صلىاللهعليهوآله ومن أطاعه من المؤمنين للعمل بخبر الفاسق في مورد النزول ، وأن الردع والتبكيت مختص بغيرهم من جهال الناس الذين ينعقون مع كل ناعق ويؤخذون بالتهريج والإرجاف من المنافقين ونحوهم ممن لا يتبع سبيل المؤمنين وقد ابتلي بهم النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنون في حياته وبعد وفاته. قال تعالى بعد الآية المذكورة : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)(١). فإنه كالصريح في انقسام المسلمين على أنفسهم ، طائفة مع النبي صلىاللهعليهوآله في التوقف عن خبر الفاسق ، قد حبب الله إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وهم الراشدون ، وطائفة أرادوا العمل به وحملوا النبي صلىاللهعليهوآله على ذلك وأصروا عليه.
ولكنه صلىاللهعليهوآله أبى عليهم ، فجاءت الآيتان الشريفتان تأييدا له وقمعا للفتنة كما نبه لذلك شيخنا الأستاذ قدسسره وسبقه إليه بعض المفسرين كالزمخشري في الكشاف وغيره على ما حكي.
ولو لا ذلك كان التدافع بين صدر هذه الآية وذيلها ظاهرا ، لمناسبة صدرها للتأنيب والعذل ، ومناسبة ذيلها للمدح والتشجيع ، فيلزم التدافع لو أريد بهما جماعة واحدة.
ومن جميع ذلك ظهر أن آية النبأ ليست رادعة عن سيرة العقلاء في العمل بخبر الواحد الثقة ، زيادة في التحفظ ، بل داعية لمقتضى سيرتهم ومرتكزاتهم من التوقف عن خبر غير المأمون ، والإنكار على من أراد العمل
__________________
(١) سورة الحجرات الآية : ٧.