الشاهد عن شهادته في حجية الشهادة ، ولا طريق لإحراز العدول من الميت. ولذا لا ريب بملاحظة السيرة في عموم الحجية للميت في سائر موارد الرجوع لأهل الخبرة وأهل العلم من الأمور النظرية.
لكن المشهور اعتبار الحياة في المفتي ، خروجا عن مقتضى السيرة المذكورة. واستدل عليه بوجوه كثيرة لا مجال لإطالة الكلام فيها بعد ظهور ضعفها. ونقتصر منها على وجهين :
الأول : أن أدلة التقليد الشرعية مختصة بصورة فعلية الرأي ، ولا تشمل صورة زواله بالموت ونحوه ، لقصور العناوين التي تضمنتها ، كالإنذار ، والفقاهة ، والعلم ، والنظر في الحلال والحرام.
وفيه أولا : أنه إن أريد بذلك أن الأدلة المذكورة رادعة عن مقتضى السيرة ، فمن الظاهر عدم ظهورها في حصر الحجية بمواردها ونفيها عن غيرها ، لتنهض بالردع عن عموم السيرة. وإن أريد به أن اختصاصها بذلك ملزم بالاقتصار عليه ، لعدم إحراز إمضاء السيرة في غيره.
فيظهر اندفاعه مما سبق من أنه يكفي في حجية السيرة عدم ثبوت الردع ، من دون حاجة للإمضاء.
وثانيا : أن ظهور الأدلة في الجري على مقتضى السيرة والمفروغية عن ذلك موجب لانصرافها إلى بيان حجية الرأي الصادر عن العالم والفقيه وإن خرج بعد ذلك عن كونه عالما وفقيها ، كما هو الحال في نظائر المقام ، كالرواية ، والشهادة ، والإقرار ، وغيرها مما اعتبر فيه عناوين خاصة ، مثل الوثاقة ، والعدالة ، والعقل ، وغيرها ، حيث يكفي تحقق العناوين المذكورة حين صدورها ، لا حين العمل بها ، بقرينة ظهور أدلتها في الإشارة إلى موضوع السيرة.