الفصل الثالث
في مراتب الأدلة والوظائف الظاهرية
من الظاهر أن استنباط الحكم والوظيفة العملية من الأدلة التفصيلية والوظائف الظاهرية كما يتوقف على معرفة تلك الأدلة والوظائف ، يتوقف على معرفة النسب بينها وتعيين مرتبة كل منها ، كي لا يرجع للمتأخر مع وجود المتقدم. لرجوع ذلك إلى تشخيص دليلية الدليل ومعرفة مورده. ومن هنا كان البحث عن ذلك من مقدمات الاستنباط المهمة ، كالبحث عن نفس الأدلة.
ولم تتكفل المباحث السابقة بالنظر في ذلك ، بل كان البحث فيها مقتصرا على تعيين الأدلة والوظائف الظاهرية من دون نظر لترتبها فيما بينها. والمناسب بحث ذلك هنا على ضوء ما تقدم في الفصلين السابقين من البحث في أقسام النسب من الورود والحكومة والجمع العرفي.
إذا عرفت هذا فالظاهر لزوم الرجوع للطرق والأمارات في المرتبة الأولى ، ثم للأصول والقواعد الشرعية الإحرازية ، كالاستصحاب وقاعدة التجاوز والفراغ ، ثم للأصول الشرعية غير الإحرازية ، تعبدية كانت ـ كأصالة الطهارة ـ أو غيرها ـ كالبراءة والاحتياط الشرعيين ـ ثم للأصول العقلية العملية.
كما أن الظاهر تقدم الأصول التعبدية الموضوعية ـ وهي المتضمنة للتعبد بموضوعات الأحكام ـ وإن لم تكن إحرازية على الأصول الحكمية ـ وهي المتضمنة للتعبد بحكم ذلك الموضوع أو بنفيه ـ وإن كانت إحرازية. وهو مرادهم بتقدم الأصل السببي على المسببي.
وعلى هذا جرى الأصحاب رضي الله عنه بطبعهم في مقام الاستدلال بنحو يظهر