قلت : ذلك لان الملازمة إنما تكون في مقام الاثبات والاستكشاف لا في مقام الثبوت ، فعدم استقلال العقل إلا في حال غير ملازم لعدم حكم الشرع في غير تلك الحال ، وذلك لاحتمال أن يكون ما هو ملاك حكم الشرع من المصلحة أو المفسدة التي هي ملاك حكم العقل ، كان على حاله في كلتا الحالتين ، وإن لم يدركه إلا في إحداهما ، لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه ، أو احتمال أن يكون معه ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلا ، وإن كان لها دخل فيما اطلع عليه من الملاك (١).
______________________________________________________
وبالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في مقام ، وعدم الملازمة بينهما في مقام آخر ((مع)) ان ((الملازمة بين الحكمين)) مما لا مجال للتخلّف فيها.
(١) توضيحه يحتاج الى بيان امور : الاول : ان قضية حسن العدل وقبح الظلم مما لا شك للعقل فيها ، وحكم الشرع مطابق لحكم العقل فيها.
الثاني : ان المدار في انطباق هذه القاعدة على الموضوعات يدور مدار العناوين المدرجة لها فيهما ، فربما يكون الشيء الواحد حسنا بعنوان كالصدق الذي لم يتوقف عليه حفظ النفس مثلا ، وربما يكون قبيحا كما فيما اذا توقف عليه حفظ النفس.
الثالث : ما عرفت من اختلاف المنتفى بين كونه مقوّما وغير مقوّم ، والمجال للشك فيما اذا كان المنتفى غير المقوّم.
الرابع : ان لازم هذه الامور هو الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في مقام الاثبات دون الثبوت والواقع ، بمعنى انه اذا حكم العقل بحكم في هذه القضايا فلا بد من حكم الشارع على طبقه ، واما اذا لم يكن للعقل حكم في مقام الشك لكون المنتفى غير المقوّم فاحتمال الثبوت وعدمه في وجدان العقل على السواء ، وللشارع في هذا المقام الحكم اثباتا او نفيا لاطلاعه على الواقعيات : من كون انتفاء غير المقوّم تارة يكون غير موجب لنفي الحسن او القبح المقطوع به في الزمن السابق قبل عروض الانتفاء ، واخرى يكون موجبا لارتفاع ما كان عليه من عنوان خاص موجب للحسن