وتدبيره كما أنعم الله على سيدنا رسول الله (ص) في قوله جل جلاله ـ (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).
أقول : وأما قوله عن الجبال والطير وتسبيحها فإني وقفت على كلام جماعة من علماء المتكلمين تنكر ذلك ويقولون إن معناه المراد به بلسان الحال وهذا الشيخ الطوسي كلامه يقتضي أنها كانت تسبح تسبيحا حقيقة خفيا واعلم أن الله جل جلاله قادر أن يجعل للجبال والطير تسبيحا على التحقيق إذ هو قادر لذاته ولا معنى لإنكار ذلك عند أهل التحقيق وظاهر لفظ المدح لداود بهذه الآيات وإفراده بها عن غيره من الأنبياء وذوي المقامات دلالة على أنها كانت تسبح على الحقيقة كما يلزم أن الحصى سبح في كف سيدنا رسول الله (ص) على الحقيقة ولعل قد سمعنا من الطيور كالببغاء وغيرها كلاما واضح البيان وما يجوز أن ننكر ما قد شهد صريح القرآن ولو كان المراد لسان الحال كان كل مسبح من العباد فإن لسان حال الحمار يسبح معه بهذا التفسير وما كان ينبغي لداود زيادة فضيلة في هذا المدح الكبير ولو كان أيضا المراد أن من رأى الجبال والطير يسبح الله وينزهه وتكون الإشارة إلى المسبحين حيث إن الجبال والطير سبب للتسبيح من المكلفين وهذا تكلف ممن قاله خارج من التأويل مع إمكان حمله على حقيقته وحيف على كلام الله المقدس الجليل.
فصل فيما نذكره من المجلد الأول من تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم من الوجهة الثانية من القائمة السادسة من الكراس الثالث وقوله (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فقال العالم هو الذي ابتلاه الله به مما أراه الله في نومه بذبح ابنه فأتمها إبراهيم وعزم عليها فلما عزم وسلم الأمر لله قال الله (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ) إبراهيم (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ) الله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي لا يكون بعدي إمام ظالم ثم أنزل عليه الحنيفية وهي الطهارة عشرة أشياء خمسة منها في الرأس وخمسة منها في البدن فأما التي في الرأس فقص الشارب وإعفاء اللحية