المعادن في خزائن الملوك المذخورة فيها أصول الأموال أحق بالتعظيم من الرجال ولو كان التعظيم لأجل أنهم خزان لها لكان كل خازن للذهب أعظم من سلطانه وإن كان لأجل أنهم يخرجونها في مراد من وهبها فكان ينبغي أن يكون هذان العظيمان عندهم من أحقر من ألبسها لأنهم يعلمون أنهما خرجا إلى الدنيا من بطون الأمهات فقراء إلى أبعد الغايات وجاءت هذه الأموال إليهم بعد تلك الحال وما عرفنا أنهم قضوا حتى من أوصلها إليهم على اعتقادنا ولا اعتقادهم ولا حصلوا أنها صفات الكمال بل أنفقوها في خراب العقول والألباب وفيما لا يقع بمثله كثير من الدواب بعبادة الأحجار والأخشاب والدابة لا تفعل مع الإمكان إلا مواضع النفع والإحسان ولما جاءهم من عرفهم في الغلط والعكوف كان جزاء العداوة منهم والزيادة في الدعوة إليها.
أقول من لا يحسن أن يرعى نفسه في تدبيرها ونفعها ولا يفرق بين رفعها ووضعها كيف دخلت الشبهة على من ينظر بالتحقيق إليه أنه يصلح أن يكون رئيسا ورسولا إلى جميع الخلائق ويكونون رعية بين يديه ولو نظروا إلى نظر الله جل جلاله إلى أحد من الموضعين عنه لرأوه أقبح من الميت ونفروا منه ووجدوا كله عيبا وحقيرا وصغيرا وأعرضوا عنه.
أقول وأما التعظيم بعد الإسلام بمجرد حصول الأموال فهو أعجب من غلط الكفار وأقبح من المحال لأن كل ما في الموجود لمالك الرحمة والجود وكل من أخذ من مولاه شيئا وأنفقه في غير رضاه فهو كالسارق السالب وأحق بالذم والمعايب ولأن من رجح حجرا على خالقه وتعرض لمعاليه سلك مسالكه وقاهره الذي هو محتاج إليه في أول أمره ووسطه وآخره وباطنه وظاهره كيف يكون ممدوحا بل كيف يكون سليما وهل يكون إلا ذميما ولأن من عرف الدنيا لا تبقى عليه فكيف يتركها أن يقدمها لنفسه بين يديه ويجعلها بعده لمن لا يحملها إليه ولأن المال كالعدو الشاغل والقاتل ـ