فصل فيما نذكره من الجزء الثاني من المجلد الأول من تفسير أبي علي الجبائي من الوجهة الأولة من القائمة الخامسة من الكراس الثاني من الجزء الثاني المذكور بلفظه وأما قول الله سبحانه وتعالى ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فإنما عنى به ما كان فرضه على الناس في صدر الإسلام من الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ ذلك بأن بين السنة أن لا وصية لوارث وبين لنا ذلك رسول الله ونسخ عنا فرض الوصية أيضا.
يقول علي بن موسى بن طاوس يقال لأبي علي الجبائي إن هذا الحديث الذي قد ذكر عن رسول الله أنه لا وصية لوارث ينقض بعضه بعضا وهو يقتضي أنه حديث مكذوب على رسول الله (ص) وهو مما يستحيل العمل بجميع ظاهره وإذا كان لا بد من تأويله على خلاف الظاهر فهلا ذكرت له وجها يجمع بين القرآن وبينه من غير نسخ فوجوه ذلك كثيرة فأما قولنا إنه يستحيل العمل بجميع ظاهره لأن ظاهره يقتضي أن يكون الوصية في حال يكون الموصى له وارثا وهذا متعذر لأن الموصي يوصي وهو حي وما انتقل ماله ولا ما أوصى به إلى غيره حتى يسمى الذي يوصى له أنه وارث فلا بد أن يقول إن معناه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثا.
أقول وإذا قلت أنه لا وصية لمن يمكن أن يكون وارثا بطلت الوصية للقريب والبعيد وذهب حكم كتاب الأوصياء في هذا وأحكام الوصية به في الإسلام لأنه لا يوجد أحد من المسلمين إلا ويمكن أن يكون وارثا في وقت دون وقت ومثال ذلك أنه إذا فقد ذو السهام من أهل المواريث كان الوارثون ذو الأرحام على الخلاف في ترتيبهم وإذا فقد ذو الأرحام كان ميراث الإنسان إما لبيت المال وهو عائد إلى إمام الوقت وإلى سائر المسلمين أو إلى فقراء المسلمين على بعض المذاهب فإذا تكون الوصية ساقطة في ملة الإسلام لهذا الحديث المتهافت في العقول والأفهام.