فانّ لقلب المؤمن أذنين اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس واذن ينفث فيها الملك الموكّل عليه من قبل ربّ النّوع ، وعن الكاظم (ع) انّ الله تبارك وتعالى ايّد المؤمن بروح منه فتحضره في كلّ وقت يحسن فيه وتبقى وتغيب عنه في كلّ وقت يذنب فيه ويعتدى فهي معه تهتزّ سرورا عند إحسانه وتسيخ (١) في الثّرى عند إساءته فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاح أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا ، رحم الله امرء همّ بخير فعمله وهمّ بشرّ فارتدع عنه ، ثمّ قال : نحن نؤيّد بالرّوح بالطّاعة لله والعمل له هذا في الدّنيا (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات في آخر سورة آل عمران (خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
اعلم ، انّ انفحّة الولاية الّتى تدخل قلوب المؤمنين كما انّها سبب انعقاد القلب على الايمان تكون مادّة رضوان الله عن عباده كما قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، ولمّا كان قبول الولاية بالبيعة الخاصّة مادّة لرضوان الله لم يقدّم رضا العباد على رضاه كما قدّم ما للعباد في سائر الأوصاف على صفته مثل (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) و (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). اعلم ، انّ الإنسان ان دخل الايمان الّذى هو صورة ولىّ امره في قلبه بالبيعة مع ولىّ امره والتّوبة على يده صار فعليّته الاخيرة فعليّة ولىّ امره وولىّ امره من جند الله فيصير البائع بتلك البيعة بواسطة تلك الفعليّة من جند الله ، وينصر بوجوده وجنود مملكته ولسان قاله وحاله دين الله ، ويقاتل بفطرته وباختياره مع جنود الشّيطان ويدعو عباد الله بوجوده ولسان حاله وقاله الى الله ، ومن تمكّن في الجهل واتّباع الشّيطان صار من حزب الشّيطان وكان للشّيطان مثل من كان من حزب الله لله ، ومن لم يدخل الايمان في قلبه ولم يتمكّن في اتّباع الشّيطان لا يحكم عليه بشيء من كونه من جنود الرّحمن أو الشّيطان كما لا يحكم عليه بالنّقمة أو النّعمة بل كان مرجى لأمر الله الى الأعراف امّا يعذّبه وامّا يتوب عليه.
سورة الحشر
مدنيّة ، اربع وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) الحشر إخراج جمع من مكان الى آخر والمعنى أخرجهم في اوّل حشر المؤمنين إليهم للقتال ، أو في اوّل حشرهم من حصونهم للقتال ، أو لأجل حشرهم الاوّل الى الشّام أو الى خيبر وثانى حشرهم الى القيامة أو الى الشّام ، أو وقت ظهور القائم (ع) من الشّام ، أو في القيامة من الشّام ، أو المعنى في اوّل حشر وجلاء وقع في زمان الرّسول (ص) وبعده وقع جلاء وحشر لغيرهم على يد الرّسول (ص) (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) اى من بأس الله (فَأَتاهُمُ اللهُ) اى أتاهم عذابه أو بأسه أو خليفته (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) لقوّة وثوقهم واعتمادهم على حصونهم فأتاهم بأس الله في حصونهم ، عن القمّىّ سبب ذلك انّه كان بالمدينة ثلاثة ابطن من اليهود ، بنى النّضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله (ص) عهد ومدّة فنقضوا
__________________
(١) ساخ يسيخ ويسوخ دخل وغاب ورسخ وخسف.