باسم الفاعل؟ فالجواب : أن أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أول الأمر ؛ لأنهم كانوا مصدقين بالتوراة والإنجيل ، وبمبعث محمد صلىاللهعليهوسلم بخلاف المشركين ، فإنهم ولدوا على عبادة الأوثان ، وذلك يدل على الثبات على الكفر.
قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).
قيل : البينة ، محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه في نفسه بينة وحجّة ولذلك سمّاه الله ـ تعالى ـ سراجا منيرا.
قوله تعالى : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) ، وهو رفع على البدل من «البيّنة» ، ولأن اللام في «البيّنة» للتعريف أي : هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى ، وقد يكون التعريف للتفخيم ؛ إذ هو البينة التي لا مزيد عليها والبينة كل البينة ، وكذا التنكير ، وقد جمعهما الله ـ تعالى ـ هاهنا ـ في حق الرسول ، أي : هو رسول ، وأي رسول صلىاللهعليهوسلم ونظيره : قوله تعالى حين أثنى على نفسه ، فقال سبحانه وتعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) [البروج : ١٥] ثم قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٦] فنكر بعد التعريف.
وقال أبو مسلم (١) : المراد من البينة مطلق الرسل ، فقوله تعالى : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي : تأتيهم رسل من ملائكة الله تعالى ، تتلو عليهم صحفا مطهرة ، نظيره : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) [المدثر : ٥٢].
وقال قتادة وابن زيد : «البيّنة» هي القرآن ، كقوله تعالى : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى)(٢) [طه : ١٣٣].
قوله : «رسول» ، العامة : على رفعه بدلا من «البينة» ، إما بدل اشتمال ، وإما بدل كل من كل على سبيل المبالغة ، جعل الرسول صلىاللهعليهوسلم نفس البينة ، أو على حذف مضاف ، أي : بينة رسول.
وقال الفرّاء : رفع على خبر ابتداء مضمر ، أي : هي رسول ، أو هو رسول من الله لأن البينة قد تذكّر ، فيقال : بيّنتي فلان.
وقرأ عبد الله وأبيّ (٣) : «رسولا» على الحال من «البينة».
وقال القرطبي (٤) : «بالنصب على القطع».
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٢ / ٤٠.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٥٦) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٤٢) ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٨٢ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٥٠٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٢.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٩٦.