ولا إدام ، ولا حذاء ، ولا حطب. فقال : تريدين ما ذا؟ قالت تأتي معاوية فهو بك عارف. قال : فنقول له ما ذا؟ قالت : تخبره بحاجتك وجهدنا ، قال : ويحك إنّي لأستحي أن أطلب حاجتنا إلى غير الله عزوجل ، فلما أكثرت عليه قال : ويحك جهّزيني قال : ثم عمد إلى المسجد ، فقال : إلهي ، إن أم مسلم بعثتني إلى معاوية ، وأنا إنّما خرجت إليك ، وأنت تعرف حاجتي ، قال : فمكث يومه ذلك في المسجد ، فلمّا صلّى الناس العشاء الآخرة وخلا له المسجد جثا على ركبتيه ثم قال : اللهمّ قد تعرف حالي فيما بيني وبينك ، فقد سمعت مقالة أم مسلم وقد بعثتني إلى معاوية ، وأنت تعرف أي شيء طلبت وقالت ، وخزائن الدنيا كلها بيدك ، وإنّما معاوية خلق من خلقك ، قد أعطيته ما أعطيته ، وإنّما أسألك من خيرك الكثير اليسير ، فاكس إلهي صبياني قمصا وخفافا وفراء ، واكس زوجتي قميصا ودرعا وخمارا ، وعجل لنا الساعة برّا وعدسا وزيتا وحطبا ، وارزقني برنسا خفيفا دفيئا أصلي لك فيه ، وارزقني فرسا حصانا وساعا (١) جوادا طاهر الخلق إن طلبت العدوّ عليه أدركتهم ، وإن طلبوني لم يدركوني ، وعجّل ذلك لي الساعة ، فإن خزائنك لا تنفد (٢) ، وخيرك لا ينقص ، وأنت بي عالم ، قد تعلم أنك أحبّ إليّ من سواك ، فإن تعطني (٣) هذه الساعة حمدتك عليه كثيرا ، وإن تمنعه فلك الحمد كثيرا ، قال : ورجل من آل معاوية في المسجد ، فسمع مقالته قال : فخرج يشدّ حتى دخل على معاوية ، فقال : يا أمير المؤمنين عجبا سمعته آنفا في المسجد ، ورجل يناجي ربه كما يناجي الإنسان الإنسان [يسأله](٤) في دعائه قمصا وفراء وخفافا وبرّا وعدسا [وزيتا](٥) وحطبا ، وفرسا حصانا ، وبرنسا (٦) خفيفا يا أمير المؤمنين ، فهل سمعت بعجب مثل هذا؟ قال : ويحك وهل تدري من هذا؟ هذا أبو مسلم ، أليس قد أحصيت ما قال؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : فاضعفوا له كلّ ما سأل ، وعجلوا به الساعة إلى منزله ، ولا يصبحنّ إلّا وهذا الشيء في منزله من كلّ شيء اثنين ، فحمل هذا كله إلّا الفرس ، فإنه لم يصب في مربط معاوية إلّا فرس واحد على ما وصف. فلمّا قدمت هذه الأشياء إلى أم مسلم أقبلت تحسن
__________________
(١) الوساع من الخيل : الجواد ، أو الواسع الخطو والذرع (القاموس).
(٢) بالأصل : «تنفذ» والمثبت عن «ز».
(٣) بالأصل و «ز» : «تعطيني» والصواب ما أثبت عن المختصر.
(٤) سقطت من الأصل واستدركت عن «ز».
(٥) سقطت من الأصل وزيدت عن «ز».
(٦) البرنس : كل ثوب رأسه منه ، ملتزق به.