وهذا هو الصّحيح ، لأنّا إن قلنا بالامتناع فلا أثر للمندوحة. وإن قلنا بالجواز وعدم لزوم اجتماع الضدّين ، فإن كان له مندوحة فلا مشكلة ، وإنْ لم تكن كان المورد من صغريات باب التزاحم ... فظهر أنّ وجود المندوحة إنّما يؤثر على القول بالجواز ، وأمّا في أصل البحث وطرح المسألة فلا دخل لوجود المندوحة وعدمها.
ذكر في الكفاية (١) توهّمين بالنظر إلى بحث تعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد وأجاب عنهما. الأول : إنّ النزاع في مسألتنا يبتني على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع ، فإنه على هذا القول يقع النزاع في الجواز والامتناع ، وأمّا على القول بتعلّقها بالأفراد فلا مجال للنزاع ، إذ لا يكاد يخفى الامتناع ، ضرورة لزوم تعلّق الحكمين بواحدٍ شخصي ولو كان ذا وجهين ، وهذا محال.
والتوهّم الثاني هو : إنّ القول بجواز الاجتماع هنا مبني على القول هناك بتعلّق الأوامر بالطبائع ، لكون متعلَّق الحكمين متعدداً ذاتاً وإنْ اتّحدا وجوداً ، وأن القول بامتناع الاجتماع مبني على القول بتعلّقها بالأفراد ، لكون متعلَّقهما شخصاً واحداً في الخارج.
ثم قال في الجواب :
وأنت خبير بفساد كلا التوهّمين ، وحاصل كلامه جريان البحث هنا ، سواء قلنا هناك بتعلّق الأمر بالطبيعة أو بالفرد ، لأنه بناءً على الأول لا يتعيّن القول بالجواز ، لأنه وإنْ تعدّدت الطبيعة ، لكون طبيعة الصّلاة غير ذات الغصب ، لكنّ الطبيعتين في مرحلة الوجود واردتان على شيءٍ واحدٍ ، وحينئذٍ ، يتحقّق ملاك
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٥٤.