تا الله ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم!
وا عجباً لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ أحداً أقضى بالعدل ، ولا أعلم ولا أتقى منه لو أجد أعواناً.
وقطع عليه عبد الرحمان كلامه وراح يحذّره من الفتنة قائلاً : اتق الله يا مقداد ، فإني خائف عليك الفتنة.
وانتهت بذلك مأساة الشورى التي أخلدت للمسلمين الفتن وألقتهم في شرٍّ عظيم ، فلم يرعَ في تأسيسها وتنفيذها بهذا الشكل أيّ حقّ للاُسرة النبوية ، وإنما عمد القوم بشكل سافر إلى الغضّ من شأنها ، ومعاملتها معاملة عادية اتّسمت بالحقد والكراهية لها ، وضاعت بذلك وصايا النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّها ، ولم يعنَ بما قاله في شأنها من أنها عديلة الكتاب العظيم ، أو كسفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق غرق وهوى.
لقد شاهد الإمام الحسين (عليه السّلام) وهو في غضارة العمر فصول هذه الشورى ، وما أعقبته من انتشار الأطماع السياسية ، والتهالك على السلطة بشكل فظيع ، مما أدّى إلى تشكيل الأحزاب ، والتسلّح بأسباب القوّة لأجل الفوز بالحكم والظفر بخيراته ، يقول الشاعر :
إني أرى فتنةً هاجتْ مراجلُها |
|
والمُلكُ بعد أبي ليلٍ لمَن غلبا |
لقد أصبح الحُكم هو الأمل المنشود والحلم الذي يداعب جميع الفئات ، يقول الجهيشاري : لمّا توفّي يزيد بن عبد الملك وأفضي الأمر إلى هشام أتاه الخبر وهو في ضيعة له مع جماعة ، فلمّا قرأ الكتاب سجد وسجد مَن كان معه من أصحابه خلا سعيد فإنه لم يسجد ، فأنكر عليه هشام وقال له : لِمَ لَم تسجد؟
ـ علامَ أسجد؟ أعلى إن كنت معنا فطرت إلى السماء.
ـ إنّا طيّرناك معنا.