والتاع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وحزن أشدّ الحزن وأقساه ، وعرف أنّ الشورى إنما هي مؤامرة ومكيدة دبّرت لصرف الأمر عنه ، فقد التقى بعمّه العباس فبادره قائلاً : «يا عم ، لقد عدلت عنّا».
ـ مَن أعلمك بذلك؟
ـ «لقد قرن بي عثمان ، وقال : كونوا مع الأكثر ، ثمّ قال : كونوا مع عبد الرحمان ؛ وسعد لا يخالف ابن عمّه عبد الرحمان ، وعبد الرحمان صهر لعثمان ، وهم لا يختلفون ؛ فإما أن يوليها عبد الرحمان عثمان ، أو يوليها عثمان عبد الرحمان» (١).
وصدق تفرّس الإمام ، فقد ولاّها عبد الرحمان لعثمان ؛ إيثاراً لمصالحه ، وابتغاء رجوعها إليه من بعده.
لقد كانت الشورى باُسلوبها الهزيل مؤامرة مفضوحة لا سِتار عليها ، قد دبّرت ضد وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه ، يقول الإمام كاشف الغطاء رحمه الله : الشورى بجوهرها وحقيقتها مؤامرة واقعية ، وشورى صورية ، وهي مهارة بارعة لفرض عثمان خليفة على المسلمين رغماً عليهم ، ولكن بتدبير بارع عاد على الإسلام والمسلمين بشرٍّ ما له دافع.
وكوى هذا التآمر قلب الإمام ، وأثارت الأحقاد القرشية أحزانه ، فراح يتحدّث عنها بعد سنين ، يقول (عليه السّلام) :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٣٥.