فتناول منها الحسين (عليه السّلام) تمرة وجعلها في فيه ، فنزعها منه الرسول (صلّى الله عليه وآله) وقال له : «لا تحلّ لنا الصدقة» (١)، وقد عوّده وهو في سنه المبكر بذلك على الإباء ، وعدم تناول ما لا يحل له ، ومن الطبيعي أن إبعاد الطفل عن تناول الأغذية المشتبه فيها أو المحرّمة لها أثرها الذاتي في سلوك الطفل وتنمية مداركه حسب ما دللت عليه البحوث الطبيّة الحديثة ؛ فإنّ تناول الطفل للأغذية المحرّمة مما يوقف فعالياته السلوكية ، ويغرس في نفسه النزعات الشريرة ؛ كالقسوة والاعتداء والهجوم المتطرّف على الغير، وقد راعى الإسلام باهتمام بالغ هذه الجوانب فألزم بإبعاد الطفل عن تناول الغذاء المحرّم (٢) ، وكان إبعاد النبي (صلى الله عليه وآله) لسبطه الحسين عن تناول تمر الصدقة التي لا تحل لأهل البيت (عليهم السلام) تطبيقاً لهذا المنهج التربوي الفذ. وسنذكر المزيد من ألوان تربيته له عند عرض ما أثر عنه (صلى الله عليه وآله) في حقه (عليه السلام).
أما الإمام علي (عليه السلام) فهو المربّي الأول الذي وضع اُصول التربية ، ومناهج السلوك وقواعد الآداب ، وقد ربّى ولده الإمام الحسين (عليه السلام) بتربيته المشرقة فغذّاه بالحكمة ، وغذّاه بالعفة والنزاهة ، ورسم له مكارم الأخلاق والآداب ، وغرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلّع إلى الفضائل حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير والحق ، وقد زوده بعدّة وصايا حافلة بالقيم الكريمة والمثل الإنسانية ومنها هذه الوصية القيّمة الحافلة بالمواعظ والآداب الاجتماعية وما يحتاج إليه الناس في سلوكهم ، وهي من أروع
__________________
(١) مسند الإمام أحمد ١ / ٢٠١.
(٢) النظام التربوي في الإسلام / ٩٢ ـ ٩٣.