لا يكون قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله».
لقد كان عمر يبالغ في تسديد معاوية ، ويقول الرواة : إنّ جماعة من الصحابة عرضوا عليه أنّ معاوية قد جافى السنّة بسيرته فهو يلبس الحرير والديباج ويستعمل أواني الذهب والفضة ولا يتحرّج في سلوكه عمّا خالف الشرع ، فأنكر عليهم واندفع يؤنّبهم قائلاً : دعونا من ذمّ فتى من قريش مَن يضحك في الغضب ، ولا ينال ما عنده من الرضا ، ولا يؤخذ من فوق رأسه إلاّ من تحت قدمه (١).
ويقول المؤرّخون : إنه ذهب إلى رفع شأنه وتسديده إلى أبعد من ذلك كلّه ؛ فقد نفخ فيه روح الطموح ، وهدّد به أعضاء الشورى الذين انتخبهم لتعيين مَن يلي الأمر بعده قائلاً لهم : إنكم إن تحاسدتم وتدابرتم وتباغضتم غلبكم على هذا معاوية بن أبي سفيان (٢).
ولمّا أمن معاوية من العقوبة ، وعرف أنه ملتزم من قِبَل الخليفة راح يعمل في الشام عمل مَن يريد الملك والسلطان.
ولم يختلف المؤرّخون في أنّ الإمام (عليه السّلام) قد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى شديد على ضياع حقّه ، وسلب تراثه ، فقد جهد القوم على الغضّ من شأنه ، ومعاملته كشخص عادي غير حافلين بمواهبه ومواقفه ومكانته من النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فكان في معزل عنهم ، لا يشاركهم في أيّ أمر
__________________
(١) الاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ٣ / ٣٧٧.
(٢) نهج البلاغة ١ / ١٨٧ الطبعة الاُولى.