ونقم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) على بيعة أبي بكر ، واعتبرها اعتداءً صارخاً عليه ، فهو يعلم أنّ محله من الخلافة محل القطب من الرحى ، ينحدر عنه السّيل ، ولا يرقى إليه الطير ـ على حدّ تعبيره ـ ، وما كان يظنّ أنّ القوم يزعجون هذا الأمر ويخرجونه عن أهل بيت نبيّهم ، فقد بادر إليه عمّه العباس قائلاً له : يابن أخي ، امدد يدك اُبايعك ، فيقول الناس : عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بايع ابن عمّ رسول الله ، فلا يختلف عليك اثنان.
فقال له الإمام : «ومَن يطلب هذا الأمر غيرنا؟» (١).
وعلّق الدكتور طه حسين على ذلك بقوله : نظر العباس في الأمر فرأى ابن أخيه أحقّ منه بوراثة السلطان ؛ لأنه ربيب النبي ، وصاحب السابقة في الإسلام وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد كلها ، ولأن النبي كان يدعوه أخاه حتّى قالت له اُمّ أيمن ذات يوم مداعبة : تدعوه أخاك وتزوّجه ابنتك؟! ولأن النبي قال له : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي». وقال للمسلمين يوماً آخر : «مَن كنت مولاه فعلي مولاه». من أجل ذلك أقبل العباس بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) على ابن أخيه ، وقال له : ابسط يدك اُبايعك (٢).
لقد تخلّف الإمام (عليه السّلام) عن بيعة أبي بكر ساخطاً ، وأعلن شجاه
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ٤.
(٢) علي وبنوه / ١٩.