لا أبلغه ، وفضلاً لا أدركه ، أبونا علي لا أفضلك فيه ولا تفضلني ، واُمّي امرأة من بني حنيفة ، واُمّك فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولو كان ملء الأرض مثل اُمّي ما وفين باُمّك ، فإذا قرأت رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك وسِر إليّ وترضّيني ، وإيّاك أن أكون سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به منّي.
ولمّا قرأ الحسين رسالة أخيه سارع إليه وترضّاه (١) ، وكان ذلك من معالي أخلاقه وسموّ ذاته.
ومن صفات أبي الأحرار أنّه كان شديد الرأفة بالناس ، يمدّ يده لكل ذي حاجة ، ويسعف كل ذي لهفة ، ويجير كل مَن استجار به ، وقد فزع مروان إليه وإلى أخيه وهو من ألدّ أعدائهم بعد فشل واقعة الجمل ، وطلب منهما أن يشفعا له عند أبيهما ، فخفّا إليه وكلّماه في شأنه ، وقالا له : «يبايعك يا أمير المؤمنين».
فقال (عليه السّلام) : «أوَلم يبايعني قبل قتل عثمان ، لا حاجة لي في بيعته ؛ إنها كف يهودية ، لو بايعني بيده لغدر بسبابته. أما أنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الاُمّة من ولده يوماً أحمر».
وما زالا يلطفان به حتّى عفا عنه ، إلاّ أنّ هذا الوغد قد تنكّر لهذا المعروف وقابل السّبطين بكل ما يملك من وسائل الشرّ والمكروه ، فهو الذي منع جنازة الإمام الحسن أن تدفن بجواز جدّه ، وهو الذي أشار على
__________________
(١) نهاية الأرب ٣ / ٢٦٠ ، ألف باء ١ / ٤٦٧.