أم يصدّقون ما عاينوه من جثمان النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو مسجّى بين أهله لا حراك فيه؟
ويستمر عمر يبرق ويرعد حتّى أزبد شدقاه ، وهو يتهدّد بالقتل ويتوعّد بقطع الأيدي والأرجل ممّن أرجف بموت النبي (صلّى الله عليه وآله) ، إلاّ أنه لم يمضِ قليل من الوقت حتّى جاء خدنه وصاحبه أبو بكر من (السنح) ، فانطلق معه إلى بيت النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فكشف أبو بكر الرداء عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليتحقق وفاته ، وبعدما اطمأنّ بموته خرج إلى الناس وهو يفنّد مزاعم عمر ، والتفت إلى الجماهير الحائرة التي أخرسها الخطب بموت منقذها العظيم قائلاً : مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومَن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت. وتلا قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).
ولم يلبث عمر أن أسرع إلى الإذعان والتصديق ، وانبرى يقول : فوالله ، ما هو إلاّ إذ سمعتها فعقرت حتّى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي ، وقد علمت أنّ رسول الله قد مات (١).
ونحن إذا تأمّلنا بدقّة وإمعان هذه البادرة الغريبة التي صدرت من الشيخين نجد فيها عدة نقاط مهمة تسترعي الاهتمام والتحليل ، وهي :
١ ـ إنّ عمر قد أنكر بصورة جازمة وبإصرار بالغ موت النبي
__________________
(١) الكامل ٢ / ٢١٩.