غسل فيه من بئر يقال لها : الغرس ، كان (صلّى الله عليه وآله) يشرب منها (١) ، وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه ، ووضعه على السرير.
وأوّل مَن صلّى على الجثمان المقدس هو الله تعالى من فوق عرشه ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ إسرافيل ، ثمّ الملائكة زمراً زمراً (٢) ، ثمّ صلّى عليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وأقبل المسلمون للصلاة على جثمان نبيّهم ، فقال لهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) : «لا يقوم عليه إمام منكم ، هو إمامكم حيّاً وميّتاً».
فكانوا يدخلون عليه رسلاً رسلاً فيصلّون عليه صفّاً صفّاً ليس لهم إمام ، وأمير المؤمنين واقف إلى جانب الجثمان وهو يقول : «السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. اللّهمّ إنّا نشهد أنه قد بلّغ ما اُنزل إليه ، ونصح لاُمّته ، وجاهد في سبيل الله حتّى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته. اللّهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما اُنزل إليه ، وثبّتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه». وكان الناس يقولون : آمين (٣).
وكانت الجموع تمرّ على الجثمان العظيم كاسفة البال كسيرة الطرف قد نخر الحزن قلوبها ، فقد مات مَن دعاهم إلى الهدى والحق ، وأسّس لهم دولة تدعو إلى إنصاف المظلوم ، والانتصاف من كل معتد أثيم ، ومَن أشعل نور الهدى ، وأضاء الحياة الفكرية في جميع أنحاء الأرض.
__________________
(١) البداية والنهاية ٥ / ٢٦١.
(٢) حلية الأولياء ٤ / ٧٧.
(٣) كنز العمال ٤ / ٥٤.