من أن يعلن التوبة مرّة اُخرى عمّا اقترفه ، ونزل عن المنبر وهو خائر القوى ، ومضى إلى منزله (١).
ولمّا تبيّن للثوار أنه لم يقلع عن سياسته ، وأنه جاد في سيرته لا يغيّر منها ولا يبدل ، أحاطوا به وطالبوه بالاستقالة من منصبه ، فلم يستجب لهم ورأى أن يستنجد بمعاوية ليبعث له قوة عسكرية تحميه من الثوار ، وقد كتب إليه هذه الرسالة : أمّا بعد ، فإن أهل المدينة قد كفروا وخلعوا الطاعة ، ونكثوا البيعة فابعث إليّ من قِبَلك مقاتلة أهل الشام على صعب وذلول (٢).
وحمل الكتاب مسور بن مخرمة ، ولمّا قرأه معاوية قال له مسور : يا معاوية ، إنّ عثمان مقتول فانظر فيما كتب به إليك.
وصارحه معاوية بالواقع وبما انطوت عليه نيّته قائلاً : يا مسور ، إنّي مصرح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ورسوله ويرضاه ، ثمّ غيّر فغيّر الله عليه ، أفيتهيّأ لي أن أردّ ما غيّر الله عزّ وجلّ (٣).
ولم يستجب معاوية له ، وكان فيما يقول المؤرّخون : يترقّب مصرعه ليتخذ من دمه وسيلة للظفر بالملك والسلطان ، وقد تنكّر لألطافه وأياديه عليه وعلى اُسرته ، يقول الدكتور محمد طاهر دروش :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ١١٠ ، الأنساب ٥ / ٧٤.
(٢) الكامل لابن الأثير ٥ / ٦٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٢.
(٣) الفتوح ٢ / ٢١٨.