ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيّرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين ، وانطلق الإمام صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً : «والله ، ما فعلتها إلاّ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه. دقّ الله بينكما عطرَ منشِم» (١).
وألقى الإمام (عليه السّلام) الأضواء على اختيار عبد الرحمان لعثمان من أنه لم يكن من صالح الاُمّة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية ، فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان ، واتّجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم : «ليس هو أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ».
ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدّده : يا علي ، لا تجعل على نفسك سبيلاً.
وغادر الإمام المظلوم المهتضم قاعة الاجتماع ، وهو يقول : «سيبلغ الكتاب أجله».
وانطلق ابن الإسلام البار عمار بن ياسر فخاطب ابن عوف : يا عبد الرحمان ، أما والله لقد تركته وإنه من الذين يقضون بالحقِّ وبه كانوا يعدلون.
وكان المقداد ممّن ذابت نفسه أسىً وحزناً ، وراح يقول :
__________________
(١) منشِم (بكسر الشين) : اسم امرأة بمكّة كانت عطّارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، فإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال : أشأم من عطر منشم. جاء ذلك في صحاح الجوهري ٥ / ٢٠٤١. وقد استجاب الله دعاء الإمام (عليه السّلام) فكانت بين عثمان وعبد الرحمان أشدّ المنافرة والخصومة ، وقد أوصى ابن عوف أن لا يصلّي عليه عثمان بعد موته.