المبحث الثالث :
في المعاد الجسماني
ويجب العلم بأنّه تعالى يعيد الأبدان بعد الخراب ، ويرجع هيئتها الأُولى بعد أن صارت إلى التراب ، ويحلّ بها الأرواح على نحو ما كانت ، ويضمّها إليها بعد ما انفصلت وبانت.
فكأنّ الناس نيام انتبهوا (١) ، فإذا هم قيام ينظرون إلى عالم جديد ، لا يحيط به التوصيف والتحديد ، قد أحسّوا بالمصيبة الكبرى ، وتأهّبوا لشدائد الرجعة الأُخرى ، وقد أخذتهم الدهشة ، فصاروا حيارى ، وغلبت عليهم الخشية فكانوا سكارى ، وما هم بسكارى ، قد اتّضح لديهم ما قدّموا وبدا ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ، ولا يظلم ربّك أحداً ، قد فقدوا الناصر والمعين ، وسلّموا الأمر لربّ العالمين.
والحجّة في إثبات المعاد : أنّه لولاه لذهبت مظالم العباد ، وتساوى أهل الصلاح والفساد ، وضاعت الدماء.
ثمّ لم تبقَ ثمرة لإرسال الأنبياء ، وأنّ لطف الله تعالى يستحيل عليه الانقضاء ؛ لأنّ الموجب للابتداء هو المانع عن الانتهاء ، وممّا يحيله العقل اختصاص لطفه تعالى بهذه الأيّام القلائل التي هي كظلّ زائل.
__________________
(١) في «م» ، و «س» : نبّهوا.